العمل قيمة وضرورة حياتية يقوم به كل من الرجل والمرأة على حد سواء، ولكننا نرى أن عمل المرأة شابه جدل عقيم في بعض المجتمعات العربية والإسلامية لحد أننا نرى أن البعض من الناس ينتظر صكوك فتوى للفصل في أمر وقضية عمل المرأة. وهذا أمر معيب ومن الخطأ الكبير على حد قول سليمان العودة، المشرف العام على مؤسسة (الإسلام اليوم) أن تتحول هذه القضية إلى سبب لنشوء دوائر من الصراع بين الرجل والمرأة، سواء الزوج أم الزوجة، أو الأب والبنت، أو جنس الرجل مع جنس المرأة؛ فهما وجهان لعملة واحدة، أو جناحان لطائر واحد، يكمل أحدهما الآخر، ومن الخطأ الكبير أن نسمح بنشوء دوائر من الصراع بينهما، كالصراع على المواقع أو السلطة. والخطورة أن تتحول بعض القضايا إلى لون من المزايدة، أو كسب المواقف أو توظيف قضية ذات بعد اجتماعي كبير.. ففي كل الحضارات نجد أن المرأة ظهرت كقوة عمل مؤثرة في المجتمع، حيث تتساوى مع الرجل ولا فوارق بينهما في العمل والحصول على الأجر. وقبل الإسلام كانت المرأة تعمل حالها تماماً كحال الرجل، وبعد أن شع نور الإسلام على المعمورة أيضاً لم يستنكر على المرأة عملها، ولم يقلل من أهمية وجودها في ميادين العمل المختلفة. وإذا نظرنا إلى سائر المجتمعات الإسلامية عبر التاريخ فإننا سنرى أيضاً كيف شاركت النساء إلى جانب الرجال في بناء المجتمعات والمشاركة في صنع الحياة وشاطرنهم في مجالات كثيرة في هذه الميادين واختصصن بمجالات فريدة تتناسب مع أذواقهن وطبيعتهن وقدراتهن الفنّية، كصناعة السجاد والصناعات اليدوية والتطريز والخياطة وغيرها. وحتّى في المجتمع العربي الذكوري غالباً فإنّ النساء الريفيات اللواتي يشكلن 60 % من مجموع النساء العرب هنّ العمود الفقري للإنتاج الزراعي وهنّ يقمن إضافة إلى ذلك بقسم كبير من أعمال الزراعة وتنشيط التربة في الحقول وتربية الحيوانات وحلب الماشية وصناعة الألبان. هذا على الرغم من أن الحياة كانت متواضعة وبسيطة في ذلك الزمن، ولم تكن هناك ضرورة لخروج المرأة للعمل، وهذا مؤشر واقعي يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن لعمل المرأة قيمة وضرورة حياتية لا ترتبط بالجنس بقدر ارتباطها بحاجة الوجود الإنساني إلى عمل كل أفراده النساء والرجال، وتتجلى أهمية عمل المرأة كلما تعقدت ظروف الحياة، وأصبحت أكثر مدنية وتحضراً. وفي وقتنا الحاضر فإننا كثيراً ما نقرأ دراسات تظهر مدى أهمية تواجد المرأة في سوق العمل في الوقت الحالي وكيف أن تواجدها سيحرك عجلة الاقتصاد والتنمية إلى الأمام، وبمشاركتها في سوق العمل ستسهم في مزيد من تقدم وتتطور المجتمع واستقراره. ونجد أيضاً في نظرة عابرة إلى التاريخ الإنساني بأنّ الاقتصاد البشري منذ بداياته كان يعتمد على مشاركة المرأة وهو مدين لها.. بل ربّما اعتمد في الكثير من المجتمعات على إنتاجية المرأة أكثر من الرجال. وتفيدنا هذه النظرة أيضاً أنّ المرأة في الحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين حيث استقر الكثير من الأنبياء كانت تتمتّع بالاستقلال الاقتصادي خصوصاً في إدارة أملاكها، فكان للمرأة وحدها حقّ التصرف بكل حرّية بما هو ملك لها من أموال منقولة وثابتة. لقد جاء خاتم الأديان الإسلام الحنيف ليرسي قواعده على أساس إكرام الإنسان رجلاً كان أم امرأة بل احترام حقوقهما على السواء, كما أنه أيضاً أعطى المرأة كما الرجل الحق في إبرام العقود، فأعطاها حقّ العمل والإجارة والتجارة والبيع والشراء والهبة والدين والضمان والوكالة وكافة التصرفات الاقتصادية بحرّية واستقلالية كاملة. لقد أجاز دين الهدى والفضيلة عمل المرأة في كافة المهن والأعمال بما يصون كرامتها ولا يسيء إلى أنوثتها، وأن الله يثني على من يتلقى أجراً نظير عمله، فالعاملون والعاملات لهم عند ربهم أجر عظيم. وفضلاً عن ذلك فإنه أقر التساوي بين الجنسين إذ يقول : “من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون” (سورة النحل، الآية 97)، والحديث الشريف يقول: (إنما النساء شقائق الرجال). وكما هو ثابت في الشريعة فإن المرأة شقيقة الرجل، لها مثل حقوقه داخل الأسرة وخارجها، ولها مثل الذي عليها بالمعروف. تلك هي بعض المعالم الرئيسة في نظرة الإسلام إلى المرأة، وهي نظرة بعيدة تماماً عن النظرة المتدنية إلى المرأة التي أفرزتها أوضاع متخلفة منحرفة في تاريخ الحضارة الإسلامية اختلطت مع الزمن بتعاليم الإسلام وروح الشريعة. ونستطيع أن نستنتج من هذه الرؤى والإشراقات الدالة أنّ المرأة في المجتمع الإسلامي وهي صاحبة ثروة وقدرة ورأي ليست عنصراً خاملاً أو وجوداً اقتصادياً مهملاً، بل هي تشكِّل إضافة إلى الرجال قطباً اقتصادياً في المجتمع الإسلامي تساهم فيه بطاقاتها وإمكانياتها ومشاركتها الفعالة لبناء المجتمع وتنمية قدراتها بالطرق المشروعة. إن الحياة وبناء المجتمعات تتطلب المشاركة الجمعية بما يحقق المعيشة الطيبة لكل أفراد المجتمع رجالاً ونساءً وأن اتجاه المرأة للعمل يحقق لها الاستقلال الاقتصادي الذي يؤمن لها متطلبات حياتها واستثماراً لطاقاتها العلمية واستفادة من قدراتها العملية ممّا يجعل النساء يشعرن بقيمة حياتية ويتمتّعن بذلك بأيامهنّ وأوقاتهنّ; إذ أظهرت الدراسات والحقائق الثابتة أنّ الأمّهات العاملات يشعرن بالسعادة والغبطة والرضا أكثر من غير العاملات.