يتراءى للبعض أن من يدعون للحفاظ على هيبة الدولة بمفهومها الواسع يُكرسون مفهومَ القبضة الحديدية على جميع مفاصل الدولة، بل إن عدداً من المحسوبين على الطبقة المثقفة يُلصقون ذلك بالديكتاتورية، فتراهم يعمدون إلى الانتقاص منها وتشجيع الفوضويين على التمادي في غيّهم لأغراض في نفوسهم يعلمونها جيداً، دون أن يسألوا أنفسهم : ما هي واجباتُ أي نظامٍ سياسي تُجاه مواطنيه ؟ وما آليات تطبيق القانون الذي نطالب جميعنا بسريانه على الجميع؟ وكيف سنحصل على حقوقنا كمواطنين في حال حافظنا جميعاً على هيبة الدولة المتمثلة في القانون بشتى صوره ؟ ومن هو المستفيد من أي ترهُّل في مؤسسات البلد ؟.. وإذا ما أردنا الحديث عن هذا الموضوع، لا بُدَّ أن نشير إلى نقطة مهمة قبل ذلك تتعلق بمكونات وأركان الدولة الرئيسية وهي : الإقليم والشعب والنظام السياسي، حتى يحق لنا أن نسأل : ماذا يعني الانتقاص من هيبة الدولة ؟ ومن هو المستفيد الأول من ذلك؟ والإجابة بكل بساطة إذا ما سلّمنا مجازاً بما يُردِّدهُ هؤلاءِ البعضُ، فيعني أننا ننتقصُ من حقوقنا كمكّون رئيس لهذه الدولة ونعملُ على إهدار ممتلكاتنا المادية والمعنوية، ويعني أيضاً أننا ننتقص من حق وطننا كأرض ستصبحُ مُباحةً لكل من تُسوِّلُ له نفسُه المساسَ بها وبقدسيتها وترابها الوطني ليمارس على هذا التراب ما يحلو له من جرائم وانتهاكات، وكل ذلك يقودُنا أيضاً إلى التساؤل : لماذا سنَّ المشرعُ حدوداً وعقوبات ؟ وما جدوى القانون إذا لم يُنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم ويحفظ الحقوق ويصون الحريات؟. ولهذا كله نقول : من حقنا أن نراقبَ السلطة في عملية تطبيقها للقانون، ومن حقنا أيضاً أن ننتقدَ تصرفات مسؤوليها عندما يخطئون ونشيد بهم عندما يُحسنون، ونطالب بعزلهم ومحاسبتهم عندما يتجاوزون . أما أن نطالبها بردع القتلة والمجرمين وقطّاع الطرق وعصابات السرقات والخارجين على القانون وحماية المواطنين والقيام بمسؤوليتها على أكمل وجه، وعندما تتصدى لذلك، نكون نحنُ أول من يعملُ على هز ثقتها وهيبتها وعرقلة مهامها، كالمطالبة بالإفراج عن المعتقلين على ذمة أعمال العنف والإرهاب، فأعتقدُ أن ذلك يتناقضُ كلية مع القيم والأعراف والمنطق والواقع.. أخيراً .. لنا حقوقٌ وعلينا واجباتٌ، ودستورُنا والقوانين النافذة في البلد قد حدّدت العلاقة بين السلطة والمواطن، وبما أن لهذه القضايا علاقةً مُباشرةً بالعملية السياسية والتنافس بين طرفي المعادلة فإن العقل والمنطق يؤكدان أن مثل هذه التصرفات الداعية إلى الانتقاص من هيبة الدولة لن تخدم أحداً وسيكتوي بنارها القاصي والداني، هذا إذا كنا نؤمن بالتداول السلمي للسلطة ويهمنا مصلحةُ الوطن قبل مصالحنا الشخصية. [email protected]