قال تعالى في كتابه الكريم: “أفَلَم ينظُروا إلى السَّماء فَوقَهم كَيفَ بَنينَاهَا وزَيّناهَا وما لها من فروج* والأرضَ مددناها وألقينا فيها رَواسِى وأنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوجٍ بَهِيج* تَبصرةً وذِكرَى لِكلِّ عَبدٍ مُنيب* ونَزّلنَا مِنْ السَّمَاء مَاء مُبَارَكَاً فَأنْبَتْنَا بِه جَنّاتٍ وحَبّ الحَصِيد* والنَّخل بَاسِقَات لَهَا طَلعٌ نَضِيد* رِزقَاً للعِبادِ وأحْيَيْنَا بِه بَلدةً ميتاً كذلك الخروج” (ق:611). تلك الآيات الكريمة, والإبداع اللغوي في لغتنا العربية المعبّرة عما في النفس وما يريح الإنسان والنفس البشرية من مناظر الزينة, وهي أحد أسس الجمال في الخلق الرباني سواء في البشر أم في الحجر. تلك الآيات القرآنية ليست الوحيدة, التي تتحدث عن الجمال, وإنما هي الآيات التي أحببت أن استشهد بها بأفضل الكلام عن الجمال, وهناك حديث لسيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وهو ما نقوله دائماً: “إن الله جميل يحب الجمال”. الجمال هنا جمال كل شيء: الأرض، الطبيعة، الملبس, الخُلق، جمال المكان، والذي عندما تنظر إليه العين تحس بسعادة غامرة، والأمكنة التي تتميز بكثير من الجمال كثيرة في بلادنا اليمن, ومن أبرزها محافظة إب الخضراء, وحوف,ومحافظة تعز. تعز هذه الحالمة لديها الكثير من مواصفات الجمال, التي تجذب السائح والزائر لزيارتها, وتفرض عليه بأن يعيد الكرّة في الزيارة, وأنا أحد المسحورين بتعز، كيف لا أُسحر وأنا أتطلع إلى جمال ملبس الفتيات الصغيرات في جبل صبر, والذي إن وصفته كأنه صورة سريالية تجمع البحر بزرقته المريحة للنفس واللون الأخضر, الذي يريح النظر والأصفر والأحمر, وكأنك أمام لوحة مرسومة لورود وأزهار متفتحة وما بينهما فراشات وطيور تجمع كل ألوان الطيف المحببة للعين عندما ترى ذلك. هذا الجمال الرباني في الخلق اكتملت فيه الصورة لمدينة أخذت نصيبها من الجمال ولكن من صُنع الإنسان هذه المرة. فأجد الشوارع الفسيحة والأرصفة المخططة وأشجار الزينة في وسط الشوارع الجديدة, وكذلك نوعية الإنارة وتنسيقها لتصنع لوحة جميلة في النهار وأمواجاً صفراء تتلألأ في ظلمة الليل، بل كل تعز عندما تراها من الأعلى أو من قلعة القاهرة أو من على مشارف فندق السعيد يكاد المنظر لايتكرر في أي مكان آخر في اليمن أو في غير اليمن، فقد تمازج الجمال الرباني مع صنّاع الجمال من البشر في مدينة تعز, فمنظر تعز من الأعلى كمنظر لوح من اللؤلؤ بين يديك. في الحقيقة مدينة تعز اختلفت كثيراً وخصوصاً كلما ابتعدنا عن داخل المدينة وأحيائها الشعبية المزدحمة, والتي هي ككل الأحياء الشعبية في كل المدن الشهيرة كاسطنبول في تركيا أو القاهرة في مصر أو جدة في الشقيقة السعودية. لكن جمال مدينتنا تعز يختلف كثيراً عن هذه المدن فهو وإن كنا نطلب المزيد يميزها عن غيرها؛ فجمالها هنا ليس في المكان والزمان فقط, بل هو في المكان والزمان والإنسان أيضاً. أحببت تعز وأهلها كثيراً لذا فقد أصبح لزاماً عليّ أن أزورها كل فترة تسنح لي الظروف، وهذا ما تم في أواخر شهر ديسمبر المنصرم, لكن ما آلمني بعد الذي رأيته من صور متعددة للجمال أن أرى العشوائية والفوضى, بل هي الهمجية بعينها وأنا في طريقي إلى المطار وفي الظهيرة الجميلة وبدون زخات مطر, وفي ذلك الشارع الجميل والمخطط والمنسق وعلى يساري مجموعة مصانع هائل سعيد, ومن ثم مدينة الصالح السكنية لذوي الدخل المحدود, كل تلك المناظر مخططة ومنسقة, لكن أن يسمح لبعض من يهوى العشوائية بقطع الطريق وتضييقه لبيع شجرة القات وغير ذلك, فتلك الصورة شوهت كل ذلك الجمال الذي رأيته، بل وربما قد تمنعني من القدوم ثانية، وكأن هؤلاء الفوضويين والعشوائيين بل والهمج يريدون أن يشوّهوا صورة تعز الجميلة لمن يودعها متجهاً إلى المطار حتى ترتسم في ذهنه صورة سلبية بعد أن رأى صوراً كثيرة للجمال في بلد الجمال. لا أدري عندما سفلتت الدولة الشارع وجعلته كبيراً ومنظماً ومنسقاً وجميلاً يسر الناظرين القادمين والمغادرين.. أين كان هؤلاء؟ ولم سُمح لهم بالبقاء في هذا الموقع؟! أوليس هناك مسؤولون يشاهدون بأعينهم كل ذلك, أم أن روح الجمال قد ماتت في أنفسهم ولم يعودوا حريصين على أن تكون بلادهم جميلة في شوارعها وطرقاتها؟! أم أن في الأمر مصالح شخصية تجعلهم يغضون الطرف عن كل ذلك لغرض في نفس يعقوب؟! كل الذي رأيته من صور تشوّه كل صور الجمال في تعز الجميلة, وآلمتني في الطريق إلى المطار ومن تقاطع طريق تعزعدن إلى مطار تعز هو عبث وتخريب لمنجز كان جميلاً عندما تم افتتاحه. إن الاستمرار في ترك هذا العبث وتلك التشوهات تكبر وتكبر دون أن يوقفها من هو مسؤول عن إيقاف كل ذلك, ما هو إلا دليل على المساهمة والمشاركة في كل ذلك العبث واستمراره.. فهل يا ترى بقي قليل من الإحساس الوطني عند هؤلاء؟ فتعز خُلقت جميلة فلاتشوهونها. [email protected]