يعد تخطيط وتنمية المسار الوظيفي من مصطلحات إدارة الموارد البشرية؛ويمثل أيضاً إحدى الوظائف التي تعنى بإحداث توافق بين الفرد من جهة وبين الوظائف التي سيشغلها من جهة أخرى وذلك بغرض تحقيق أهداف المؤسسة الإنتاجية وتحقيق أهداف الفرد؛وتعميق الرضا عن العمل من جهة أخرى. ويمكن النظر إلى مفهوم المسار الوظيفي من عدة زوايا؛فقد ينظر إليه على أنه مجموعة الوظائف المتتالية التي يشغلها الفرد على امتداد عمره الوظيفي؛والتي تتأثر باتجاهاته وطموحاته وقدراته ومشاعره وقد ينظر إليه على أنه سمة مميزة للموظف والوظيفة والمؤسسة؛وهو نموذج للخبرات المرتبطة بالعمل والممتدة عبر حياة الإنسان المهنية. ولتحقيق الفاعلية التنظيمية لمؤسسة ما ينبغي وجود برنامج الأمد لتخطيط وتطوير المسارات الوظيفية للموظفين؛ولعل من ايجابيات هذا البرنامج أنه يعمل على: تحقيق أهداف الأفراد والمؤسسة من حيث النمو والرضا الوظيفي وتحقيق الإنتاجية والربح. التقليل من تقادم خبرات ومهارات الموظفين؛فبقاء الموظف في مكانه دون تدريب أو تدوير أو نقل أو ترقي يقلل من دافعيته للإنجاز؛ويحرم المؤسسة من فرص استثمار مواردها البشرية. تقليل التكاليف على المؤسسة التي تتبع منهج المسار الوظيفي من خلال استثمار الكفاءات البشرية في الأماكن التي تتناسب مع مؤهلاتها وخبراتها ومهاراتها؛وتحقيق التطور في مختلف النشاطات والمجالات ذات الصلة بالفرد والوظيفة والمؤسسة. تحسين صورة المؤسسة في البيئة الداخلية والخارجية من خلال ممارساتها العملية مع موظفيها بالاهتمام بحاضرهم ومستقبلهم الوظيفي، وبذلك تكون عنصراً جاذباً لاهتمامات المجتمع. وهنا قد يتبادر سؤال مفاده: من يقوم بتخطيط وتصميم وتنفيذ برنامج المسار الوظيفي؟، ويمكن القول: أن هناك عدة أطراف يؤدي كل منها مهمة معينة، وتبدأ من الفرد نفسه عندما يحدد آماله وتطلعاته المستقبلية، ويحدد الطريق الذي سيسلكه لتحقيق أهدافه، ثم عرض مواصفات الوظيفة ومسارها ضمن الهيكل التنظيمي للمؤسسة، ووضوح اللوائح والإجراءات التنفيذية، وتحديد الوحدة الإدارية المسئولة عن بناء قاعدة المعلومات وتحديثها بصورة مستمرة، وتحديد مسارات القطاعات في نطاق المؤسسة وفق خطة زمنية محددة، ثم مراقبة أية اختلالات في التطبيق مع استمرار الدعم من القيادة العليا للمؤسسة. ومن الأهمية تعريف الموظفين بخطط التطوير الوظيفي والمؤسسي، وتحديد المسارات المهنية المتاحة للتقدم والترقي في الحاضر والمستقبل القريب، بحيث يدرك الموظف مسبقاً الميزات المهنية والمالية والمعنوية التي ستعود عليه، ومدى اتفاقها مع اتجاهاته وقدراته، وتهيئة فكره وحياته نحو المستقبل لتحقيق التطور الإنتاجي والإبداعي. هذا العرض المثالي للمسار الوظيفي يكاد يفتقد في مؤسسات العمل المختلفة على المستوى المحلي والعربي، ويعود ذلك لأسباب مباشرة وغير مباشرة، منها: عدم وضوح الرؤية والرسالة وغياب العمل المؤسسي دون تخطيط استراتيجي سليم، وانعدام الثقة، وقلة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. وهذا بدوره أوجد حالة من الجمود والإحباط الوظيفي، والتقوقع والانكماش، وزيادة أعباء العمل، ونمطية في الأداء وغياب الأفكار الإبداعية. ومع ذلك فهناك إشراقات فردية مضيئة تبرز هنا أو هناك، وتحاول تغيير واقعها أو تطويره علمياً أو مهارياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً بجهود ذاتية، وإمكانات محدودة، في ظل غياب الخطط المؤسسية ذات البعد الإنساني. وقد قيل عنهم: هممٌ كأن الشمس تخطب ودهم والبدر يرسم في سناهم أحرفاً وشعارهم ما قاله الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:أن قيمة المرء ما يحسن. فقيمة العالم علمه قل منه أو كثر، وقيمة الشاعر شعره أحسن فيه أو أساء، وكل صاحب موهبة أو حرفة إنما قيمته عند البشر تلك الموهبة أو تلك الحرفة ليس إلا، فليحرص العبد على أن يرفع قيمته، ويُغلي ثمنه بعمله الصالح، وبعلمه وحكمته، وجوده وحفظه، ونبوغه وإطلاعه، ومثابرته وبحثه، وسؤاله وحرصه، وتثقيف عقله، وصقل ذهنه، وإشعال الطموح في روحه، ونبل نفسه، لتكون قيمته غالية عالية. * باحث في التنمية الإنسانية