لم يقل أحد من المفكرين والفلاسفة في العصور القديمة بعدم أهمية سيادة القانون مطلقاً, بل يرى المفكرون والباحثون في القانون أنه أساس التنظيم الاجتماعي, ويرون بأن القانون ماوضع إلا ليسود ويحقق الطمأنينة والسكينة العامة بين أفراد المجتمع, ويمنع التسلط والعدوان.. ولذلك فإن احترام القانون والعمل به بات أمراً بالغ الأهمية, باعتباره المعزز الفاعل لسيادة الدولة على حكوماتها المادية والبشرية, ولا يجوز لجماعة الخروج عليه أو تحديه أو فرض جورهم وسلطانهم على الناس. إن المشهد السياسي المعاصر يعطي بعض المؤشرات الخطيرة, التي تظهر بعض الخارجين على الدستور والقانون, الذين يعتقدون بأنهم فوق الدستور والقانون, ويتصرفون على هذا الأساس دون أن تقف الدولة في وجه تصرفاتهم المضرة بالسلم الاجتماعي, من أجل تحقيق الحياة الآمنة والمستقرة, بل إن الذين يرون أنهم فوق القانون فيعيثون في الأرض فساداً ويتحدون الإرادة الكلية وشيئاً فشيئاً يقوضون الأمن والاستقرار ويعرضون البلاد والعباد للخطر في محاولة من أولئك النفر لإخضاع الناس لإرادتهم الشيطانية, التي لاتحترم الدستور والقانون, بل وتتجاوز القيم الإنسانية وتعرض المجتمع لهزات عنيفة جراء تلك التصرفات العدوانية التي تطال الناس. إن سيادة الدستور والقانون على الكافة أمر لم يعد في النظم السياسية المعاصرة قابلاً للجدل, بل أساس الشرعية وطريق الاستقرار وعنوان التمدن ولا يخرج عن ذلك الإ جاهل, لم تحسن البيئة الاجتماعية التي نشأ فيها تربيته, بل ربما ساهمت بشكل أو بآخر في إفساد أخلاقه, وتنمية الجوانب السلبية في تفكيره من خلال المحاباة والصبر على التصرفات المخالفة تحت مبررات اجتماعية أدت إلى إفساده كلية. إن التربية الاجتماعية التي تعوِّد الكل على احترام حقوق الآخرين من أساسيات الحياة الاجتماعية المعاصرة, فالطفل الذي يتعود على أخذ حق غيره ينمو ويكبر على العدوان ولا يستطيع الانفكاك من ذلك السلوك, فهل تدرك الأحزاب والتنظيمات السياسية في ساحة العمل الوطني أن واجب التربية الدستورية والقانونية هو المدخل إلى التمدن والتحديث؟ وهل حان الوقت لزوال التفكير الأخرق من البعض؟ أم أن الحزبية تنمي مثل هذه السلوكيات العوجاء؟ إن المستقبل يتطلب تربية دستورية وقانونية تعود الكل على احترام الآخر مهما كان, مادام ملتزماً بالدستور والقانون, وهو مانأمله من القوى السياسية الفاعلة في تنشئة الأجيال عليه بإذن الله.