الحديث المستمر عن المدنية ليس موضوعاً عملياً،لأن الذين يتداولون الحديث في هذا الشأن لايفهمون مصطلح المدنية ولا علاقة لهم به ، لأن أفعالهم وسلوكياتهم اليومية تخالف ذلك المصطلح ، بل إن الأخلاقيات التي نشاهدها اليوم في واقع المشهد السياسي لاتعطي مؤشراً يقود إلى المعاني والدلالات لمفهوم المدنية ولأن الواقع المعيش صورة مغايرة تماماً للمدنية ليس لدينا نحن في اليمن فحسب بل في العالم بأكمله وإن تفاوتت الصورة من مكان إلى آخر بين السلب والإيجاب إلا أن الصورة الفوتوغرافية للحياة السياسية والاجتماعية لايمكن أن تقدم المثالية المدنية. ولئن كانت المدنية تعني المثالية في السلوك والأخلاق والالتزام المطلق بعدم المساس بالغير فإن الصورة الواقعية للحياة السياسية والاجتماعية نقيض ذلك تماماً، ولذلك ينبغي الحديث عن دولة النظام والقانون لأن الأوائل من المفكرين الذين كانت خيالاتهم الخصبة تتحدث عن المدنية الفاضلة صدمهم الواقع ولذلك قالوا بضرورة وجود الدولة القوية القادرة التي تفرض قوة الدستور والقانون وتضمن خضوع الكافة للدستور والقانون وتحقق المساواة بين الناس وتنزع التمايز والاستعلاء الذي تكرهه الأنفس البريئة التي ترفض الإذلال والاستعباد. إن سيادة الدستور والقانون على مجتمع الدولة أمر بالغ الأهمية لتحقيق العدالة والمساواة أمام الدستور والقانون، ودون شك عندما يصبح الكافة سواء بسواء في خضوعهم للقانون والتزامهم باحترام القيم الإنسانية، بعد ذلك يمكن الحديث عن المزيد من القيم المثالية التي ترقى بالمجتمعات صوب المدنية، ولذلك أرى أن الحديث عن المدنية ومظاهر الحياة السياسية والاجتماعية حديث يجانبه الصواب ويخرج عن الموضوعية وينبغي التركيز على قوة الدستور والقانون لأنه البداية العملية لتحقيق الحياة الآمنة والمستقرة لترقى بعد ذلك إلى الحديث عن المثالية بإذن الله.