إن الحديث عن القوى التقليدية وتأثيرها في الأداء السياسي مع وجود النظام الحزبي المتعدد يفترض غياب التأثير السلبي للقوى التقليدية التي تقاوم التحديث والتطور وترغب في الحفاظ على تميزها الذي ورثته من مراحل الحياة المختلفة، على اعتبار أن التعددية الحزبية تمثل التحديث؛ لأنها تقوم بالتنشئة السياسية القائمة على تبصير المجتمع بأهمية الدستور والقانون، وتعزز الوحدة الوطنية، غير أن الواقع لا يقدم هذه الصورة العملية للتعدد الحزبي في اليمن، والسبب في ذلك أن التعدد الحزبي لم يقم بالدور الحضاري والإنساني؛ لأنه اعتمد في فهمه للحزبية على عناصر القوى التقليدية ومكنها من الهيمنة والسيطرة على تكوينات بعض الأحزاب، بل بلغ الأمر إلى درجة الاعتقاد لدى ذلك البعض أن الحزبية غاية، وأنه يمارس أشكالاً من العنف تحت هذا الإطار، الأمر الذي أفقد الحزبية بريقها الجماهيري. إن التعددية السياسية انفتاح على المجتمع وإيمان بأهمية المشاركة في الحياة السياسية لكافة فئات المجتمع المدني، وليس عيباً أن تستقطب الأحزاب عناصر القوى التقليدية؛ لأن من مهام الأحزاب القيام بالدور التوعوي والتنويري وإزالة المفاهيم المجتمعية التي تنزع إلى الادعاء بالأفضلية، ثم إن التأهيل والتدريب والتنشئة السياسية التي ينبغي أن تنفذها الأحزاب كفيلة بإزالة ذلك الادعاء، ولكن للأسف فإن واقع بعض الأحزاب السياسية جاء مكرساً للقيم غير الواعية لدى القوى التقليدية، دون أن تقوم بالدور السليم الذي يفترض فيه أن يعمل على تحقيق الاندماج الكامل لعناصر القوى التقليدية في الحياة السياسية، ويزيل الاعتقاد غير الواعي لدى تلك العناصر. إن المرحلة الراهنة تحتاج إلى وقفة جادة من كل المكونات الحزبية لمراجعة الاختلالات في التكوينات الحزبية من أجل المستقبل، وأن تتاح الفرصة للشباب الذين لديهم الفهم والوعي المتكامل بالتعددية السياسية، والذين لديهم الطموح المشروع في السعي لتحقيق خير المجتمع، ويعملون على تعزيز الوحدة الوطنية، ويؤمنون بسيادة الدستور والقانون على الكافة دون تميز أو انحياز أو مجاملة لأي كان، والذين يؤمنون إيماناً مطلقاً بأن قوة اليمن في وحدته. إن تجاوز العثرات التي تعاني منها الحياة السياسية في اليمن يحتاج إلى المزيد من الحوار الشفاف لمعوقات النهوض التنموي الشامل؛ لأن الشفافية في مناقشة هذه القضايا بروح المسؤولية الوطنية التي تهدف إلى تعزيز بناء قدرات الدولة وتجميع عناصر القوة بات أمراً شديد الأهمية، ولعل انخراط الكافة في الحوار الوطني القادم سيكون مؤشراً إيجابياً على التوجه السليم الذي يعزز قوة الروح الجماعية من أجل تحقيق سعادة اليمن الواحد والموحد بإذن الله. رابط المقال على الفيس بوك