تشير أحدث الدراسات عن الوضع المائي في العالم إلى أن بلادنا تأتي ضمن قائمة الأربع الدول الأشد فقراً في الموارد المائية على مستوى العالم بالإضافة إلى الأردن ودولتين من دول منطقة الشرق الأوسط لم تحددهما الدراسات، كما أن البنك الدولي يعتبر بلادنا إحدى أكثر دول العالم معاناة من ندرة المياه. الجميع يتحدث عن أزمة المياه لكننا للأسف لا نلمس أية إجراءات عملية تثبت جدية التوجه نحو حل هذه الأزمة العويصة التي تزداد تفاقماً مع مرور الأيام أو حتى التخفيف منها، الأمر الذي ينذر بكارثة مرتقبة إذا لم يتم وضع الحلول العملية لمعالجتها بصورة سريعة وجذرية. عيبنا أننا نتحدث كثيراً ونعمل قليلاً، ودائماً نقول: بأننا سنعمل كذا وسنقوم بكذا غير أننا لا نقوم بشيء مما نقوله ولا يجد أغلب ما نقوله طريقه إلى التنفيذ العملي، وهذا هو أحد أسباب استمرار أزمة المياه وتفاقمها، إضافة إلى أن هناك أسباباً أخرى لا تسهم فقط ببقاء الأزمة، بل عملت وتعمل على تفاقمها ومن هذه الأسباب عمليات الحفر العشوائي للآبار غير القانونية التي تتزايد بوتيرة متسارعة تنذر بالخطر، حيث تشير الدراسات إلى أن عدد حفارات المياه يتجاوز ال (900) حفار حفرت أكثر من مائة ألف بئر ارتوازية، وفيما تستهلك الزراعة أكثر من 91 بالمائة من المياه الجوفية, نجد أن أكثر من 50 بالمائة من هذه النسبة تستخدم لري القات. ومن الأسباب أيضاً النسبة العالية من المياه المهدرة الناتجة عن تلف بعض أنابيب شبكة توزيع المياه أو بسبب عطب خزانات المياه الخاصة بالمستهلكين والتي تظل أحياناً تتدفق لأيام في شوارع وأزقة الأحياء السكنية وهو ما يمثّل هدراً كبيراً للمياه، حيث أن هذا التسرب يؤدي إلى ضياع ما نسبته 60 % من المياه في المناطق الحضرية في ظل غياب الوعي بضرورة الترشيد في استهلاك المياه والحفاظ عليها، سواء لدى المواطن أو لدى الجهات المعنية، فلا المواطن يستشعر حجم الكارثة المائية المتربصة ببلادنا، ولا الجهات المعنية تقوم بواجباتها في الحفاظ على هذه الثروة. أعتقد أن الأزمة المائية في بلادنا لن تجد طريقها إلى الحل إلا باتخاذ معالجات حقيقية للحد من تفاقمها منها تحسين إدارة الموارد المائية بما يحقق ترشيد الاستهلاك والاستدامة واتخاذ إجراءات صارمة لوقف حفر الآبار غير القانونية والاستخدام السيئ للمياه (الاستنزاف المائي) وكذلك العمل على إيقاف الإهدار العبثي للمياه، وذلك عبر إصلاح ما يتعرض للتلف من شبكات نقل المياه، سواء قبل ضخ المياه إلى الحارات المستهدفة أو سرعة إصلاح ما يطرأ من خلل أثناء فترة توزيع المياه، وإجبار المستهلكين على إصلاح خزانات المياه المعطوبة الخاصة بهم، لضمان عدم حدوث هدر للثروة المائية. الوضع المائي الراهن لأزمتنا المائية يفرض علينا جميعاً - جهات معنية ومواطنين- التعامل معها بمسئولية يستشعر فيها الجميع حجم الأزمة المائية ومخاطرها الكارثية المتوقعة في المستقبل القريب، وإلا سنجد أنفسنا بعد أعوام قلّت أو كثرت في جفاف لن نجد معه قطرة ماء واحدة.. وسنندم حينها وقت لا ينفع الندم .. ! [email protected]