بعد يوم واحد من إعلان رئيس الجمهورية زيادة مرتبات الموظفين أقر مجلس الوزراء تنفيذ المرحلة الثالثة من استراتيجية الأجور والمرتبات التي من شأنها إضافة قفزة نوعية في الدخل الشهري لكل أسرة والانعتاق من كثير من الضائقات التي كانت تنكّد حياة (ذوي الياقات البيضاء) وهو الوصف الذي يطلقه الانجليز على الموظفين. وكما هو شأن اليمن وغيرها من البلدان فإن أي زيادة بالمرتبات وقبل وصولها إلى الجيوب يستبقها التجار برفع أسعار السلع الاستهلاكية خاصة الأساسية وبالقدر الذي يغتال الفرحة من الثغور، وعندما يبلغنا العلم بان شريحة الموظفين لا يمثلون سوى نسبة 35 - 40 % من إجمالي القوى العاملة في اليمن، فيما النسبة الباقية تصنف ضمن عمالة القطاع الخاص أو الأهلي فإن القلق ينتابنا من اتساع فجوة الأجور بين القطاعين ومضاعفة معاناة (ذوي الياقات السمراء)من عمالة القطاع الخاص الذين عادة ما يدفعون ضريبة أي زيادة بالمرتبات جراء ما يرافقها من رفع أسعار. كما أن هناك ثمة إشكالية مازالت مستمرة منذ تنفيذ المرحلة الأولى من استراتيجية الأجور وهي تخص فئة المتعاقدين، حيث إن عشرات آلاف المتعاقدين المرتبطين بجهات حكومية منذ سنوات طويلة لم يتم تسوية أوضاعهم وظلوا موضع استغلال سلبي يفتقر للبعد الإنساني لأنهم يراوحون في أماكنهم، فيما غيرهم ينعم بخيرات الوطن، وقد يكونون بنفس مؤهلاتهم العلمية. إذن الحكومة اليمنية ستقف أمام مسئولية تحقيق التوازن المعيشي للأفراد لتفادي نشوء طبقة تعيش فقراً مدقعاً جراء عجزها عن اللحاق بركب القطاع العام، وتحملها دون سواها ضريبة الارتفاع المتزايد بتكاليف الخدمات أو السلع، ومن المستبعد أن يكون مثل ذلك التوازن ممكناً بغير إجراءات تشريعية حازمة تعالج أولاً مشكلة المتعاقدين، وذلك بتحديد سقف أعلى للتعاقد لا يتجاوز العامين، ويلزم الجهات المعنية بتثبيت من ترى فيهم الكفاءة، أو استحداث صيغة العقود الطويلة الأجل التي تمنح أصحابها امتيازات مقاربة نسبياً لما يتمتع به نظراؤهم من الثابتين. أما الإجراء الثاني فهو يستهدف القطاع الخاص من خلال تحديد سقف أدنى للأجور وفق آليات فنية تبلورها جهات الاختصاص الحكومية بالتنسيق مع اتحادات الغرف التجارية وأية جهات ذات علاقة بوزارة العمل، فضلاً عن تفعيل مكاتب التحكيم بوزارة العمل والأجهزة الرقابية، والنقابات والاتحادات العمالية التي من شأنها حماية حقوق العامل وتعزيز دور المحكمة التجارية في حسم الخلافات بين العامل ورب العمل، أو بين المؤسسات المختلفة ووزارة العمل. ومن أجل تفادي الفوضى السعرية التي عادة ما ترافق أي إعلان عن زيادة المرتبات ، فإن وزارة الصناعة والتجارة يجب أن تتحمل مسئولياتها في مراقبة الأسواق، وكذلك في وضع دراسات بيانية لمتغيرات الأسواق العالمية، وما تنبىء به من أزمات غذائية واتجاهات سعرية لترسم وفقها سياسات المواجهة وتخفيف الأثر المتوقع. فليس كل الزيادات السعرية غير مبررة طالما الأمر مرتبط بمبدأ العرض والطلب، وبالتالي فإن زيادة مرتب الموظف تعني زيادة قدرته الشرائية، أي زيادة الطلب. من المؤكد أن التحديات الأمنية والسياسية عرقلت الكثير من البرامج الحكومية الطموحة، لكن في نفس الوقت كان هناك قصور على صعيد كسر الاحتكار ودعم المستثمرين الجدد، وحماية السوق الوطنية، وكذلك في تحقيق التوازن النسبي في القدرة الشرائية بين مختلف الشرائح الاجتماعية والقطاعات الإنتاجية، وهو ما نأمل أن لا تغفله الحكومة.