لا يختلف اثنان على أن السياسة النقدية والمالية لأية حكومة في العالم تمثل حجر الزاوية في تأسيس نظام اقتصادي متين وقوي، قادر على مواجهة التحديات محلياً وإقليمياً ودولياً والعمل على تحقيق النمو الاقتصادي، وتخفيض معدلات البطالة والسيطرة على نسب التضخم وتحقيق التوازن في ميزان المدفوعات. وفي سعيها - أي تلك الحكومات - إلى تحقيق الأهداف الذهبية للسياسات الاقتصادية تستخدم السلطات أدوات هذه السياسة الاقتصادية متمثلة في كل من السياسة النقدية والسياسة المالية. وانطلاقاً من تلك الأهداف الذهبية للسياسة الاقتصادية فإن السياسة النقدية تعتبر بمثابة حجر الزاوية في بناء السياسة الاقتصادية الكلية شأنها في ذلك شأن السياسة المالية، فهي أحد العناصر الأساسية المكونة لها، إذ إن لها تأثيراً على حالة الاقتصاد الوطني على المستوى الكلي. ولقد اختلفت نظرة الفكر الاقتصادي إلى السياسية النقدية عبر مراحل تطورها المختلفة، حيث نجد أن السياسة النقدية مرت بأربع مراحل من حيث درجة تأثيرها على النشاط الاقتصادي وفعالية هذا التأثير، حيث نجدها ما قبل مرحلة كينز في القرن التاسع عشر تنظر إلى أن النقود هي عنصر محايد، وبالتالي لا تؤثر على حركة النشاط الاقتصادي, وإذا زادت كمية النقود المتداولة مع ثبات الانتاج فإن ذلك يؤدي بلا شك إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار، ثم جاءت المرحلة الثانية بظهور الفكر الكينزي إثر أزمة 1929م, ومع ظهور الأفكار الكينزية بدأ الاهتمام أكبر بالسياسة المالية ليؤكد أن السياسة المالية هي الأكثر فعالية من خلال التمويل بعجز الميزانية وفي المرحلة الثالثة خلال مطلع الخمسينيات 1951م أخذت السياسة النقدية مكانها في الطليعة بين السياسات الاقتصادية الكلية على يد (ميلتون فريد مان) الاقتصادي الأمريكي زعيم المدرسة النقدية الحديثة, أي أنه صعد من الخلاف بين أنصار السياسة النقدية وأنصار السياسة المالية, وهذا الخلاف أدى إلى ظهور مذهب ثالث بزعامة الاقتصادي الأمريكي (والترهيللر) الذي نادى بعدم التعصب لسياسة معينة، بل طالب بضرورة عمل مزج لكل من أدوات السياسة النقدية وأدوات السياسة المالية حتى يتسنى لها التأثير الفعال على النشاط الاقتصادي، إلا أن سياسات التثبيت الهيكلي تجعل السياسة النقدية أكثر إيقاعاً في خدمة السياسات التي يضمها برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يطرحه ويروج له صندوق النقد الدولي خاصة تلك السياسات الهادفة إلى علاج التضخم وتحقيق الاستقرار الاقتصادي. وأمام هذا التناغم الجميل بين السياسة النقدية والمالية وصولاً للأهداف الذهبية للسياسة الاقتصادية العامة كان ولابد من تعريف القارىء بسلاسة السياسة النقدية والتعريف الاقتصادي والمهني لها.. حيث إن السياسة النقدية هي تلك الاجراءات التي تستهدف التأثير على حجم الكتلة النقدية من أجل تحقيق أهداف السياسة الاقتصادية وذلك باستخدام أدوات السياسة النقدية نجدها أكثر فعالية في الدول المتقدمة منها في الدول النامية, وهذا لعدة اعتبارات منها غياب قنوات إبلاغ السياسة النقدية. ومن هنا كان على تلك الدول العمل على تفعيل السياسة النقدية في اقتصادياتها, ومن هنا لابد أن نعرف السياسة النقدية تعريفاً علمياً واقتصادياً بحتاً حيث عرفها الاقتصادي (جي لاتبش) على أنها ما تقوم به الحكومة من عمل يؤثر بصورة فعالة في حجم وتركيب الموجودات السائلة التي يحتفظ بها القطاع غير المصرفي سواء كانت عملة أو ودائع أو سندات حكومية.. أما الاقتصادي (جورج برنت) فيعرفها على أنها (عبارة عن مجموعة التدابير المتخذة من قبل السلطات النقدية قصد إحداث أثر على الاقتصاد)، ومن أجل ضمان استقرار أسعار الصرف وبحسب الخبراء النقديين في اليمن فإن السياسة النقدية يقصد بها التدخل المباشر المعتمد من طرف السلطة النقدية بهدف التأثير على الفعالية الاقتصادية، عن طريق تغيير عرض النقود وتوجيه الائتمان باستخدام وسائل الرقابة الفاعلة على النشاط الائتماني للبنوك, إذ تعبر السياسة النقدية عن الإجراءات اللازمة التي تمكن السلطات النقدية من ضبط عرض النقود أو التوسع النقدي ليتماشى وحاجة المتعاملين الاقتصاديين, وهي هدف رئيس وهام لسياسة البنك المركزي في ممارسته الرقابة على النقود وأداء البنوك العاملة بكل دقة وشفافية. وبالنتيجة فقد أصبحت السياسة النقدية ورغم مرورها بالعديد من التحولات، تركز على الاستقرار النقدي, ونقصد هنا الاستقرار الداخلي (استقرار المستوى العام للأسعار) والاستقرار الخارجي (استقرار سعر الصرف) هذا فضلاًً عن توفير المتطلبات المالية للنشاط الاقتصادي. * مدير الشئون المالية والإدارية – البنك المركزي - تعز