الأربعاء الماضي كان يوماً استثنائياً بالنسبة لنا كيمنيين حيث تنفس الكثير من المواطنين الغيورين على أمن واستقرار الوطن الصعداء وأدركوا أن هناك قيادات وطنية ماتزال تغلب المصالح الوطنية العليا على المصالح الشخصية الضيقة وفي مقدمة هذه القيادات الرئيس علي عبدالله صالح الذي دفعه حسه الوطني الرفيع وحرصه على أمن واستقرار ووحدة الوطن والخروج بالبلاد من أتون الأزمات التي تعيشها وعلى وجه التحديد الأزمة السياسية القائمة بين الحاكم والمعارضة؛ إلى دعوة مجلسي النواب والشورى للانعقاد الأربعاء في جلسة استثنائية وذلك للتباحث حول المستجدات التي تشهدها الساحة والبحث في الرؤى والأفكار والمقترحات التي من شأنها تجاوز هذه الأوضاع والمضي بها نحو الأمام لما فيه مصلحة اليمن واليمنيين, وكانت هذه الفكرة صائبة جداً لأنها جاءت في ظل أجواء وظروف متوترة تحتم على الجميع التعاطي معها بمسئولية والابتعاد عن اللامبالاة التي قد تقود إلى مالا يحمد عقباه. انعقد الاجتماع وتحدث الرئيس بشفافية ومصداقية أمام ممثلي الشعب وأعضاء الشورى ووضع النقاط على الحروف ,حيث جدد دعوته لكافة الأطراف السياسية للعودة إلى طاولة الحوار والابتعاد عن المناكفات والصراعات السياسية والحزبية واللهث وراء المصالح الشخصية والحزبية والسياسية الرخيصة , وحمل حديثه الدعوة لأحزاب اللقاء المشترك للدخول في حكومة وحدة وطنية تقود الوطن في المرحلة المقبلة وتعمل على خلق حالة من التوافق السياسي في الأوساط المحلية وتمضي بمسيرة البناء والتنمية والنهوض الشامل نحو الأمام , حكومة مهمتها الرئيسية هي إعداد استراتيجيات وطنية لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية وغيرها, حكومة وطنية تعمل وفق أجندة وطنية لاحزبية وسياسية , حكومة تعمل على تجاوز الأخطاء والتجاوزات والهفوات التي حدثت في المراحل السابقة , حكومة لاينظر أعضاؤها إلى مصالحهم الشخصية والحزبية بل ينظرون إلى مايخدم الوطن والمواطنين على حد سواء , حكومة تلبي السقف الأدنى من تطلعات وآمال المواطنين , حكومة ترفع شعار مكافحة الفساد وتدعو إلى إحداث نقلة نوعية في هذا الجانب وتسهم في اجتثاث الفساد والمفسدين وحماية المال العام والاستغلال الأمثل للثروات الوطنية, حكومة تعمل بروح الفريق الواحد دونما إقصاء أو استبعاد لأحد وبعيداً عن اصطياد الأخطاء وتسجيل النقاط, فالمرحلة الراهنة بكل ظروفها وتعقيداتها تتطلب حالة غير مسبوقة من الاصطفاف الوطني من أجل قطع الطريق أمام أعداء الوطن الذين يتربصون بالوطن الدوائر ويسعون للنيل من وحدته وأمنه واستقراره, حكومة كل فرد فيها ينبض قلبه بحب اليمن, ويقف بعزيمة واصرار في وجه كل الارتداديين الذين يحاولون المساس بالمنجزات الوطنية التي تحققت وفي مقدمتها الوحدة الوطنية, لأننا لانريد وزراء يؤيدون بطريقة أو بأخرى أولئك الرعاع الذين يرفعون الأعلام التشطيرية والشعارات الانفصالية وينشرون ثقافة الكراهية والمناطقية ,لأن ذلك يمثل مساساً بالثوابت الوطنية التي يجب على كل يمني أن يحافظ عليها ويحرص على صونها وهذه هي مواصفات الحكومة الوطنية التي نريدها. وفي هذا السياق فقد طرح الرئيس مبادرة وطنية يستحق عليها كل عبارات الشكر والثناء وإن كان هذا هو الدور المنوط به ولكنه تحلى بالشجاعة وأعلن عن استعداده تقديم التنازلات تلو التنازلات مادامت جميعها تصب في خدمة المصلحة الوطنية العليا وهي سمة حميدة تحسب لفخامته وللأسف الشديد أن العديد من الشعوب العربية تفتقدها في قادتها وزعمائها , ولقد وجد الرئيس أن الظروف التي تمر بها البلاد تستوجب عليه طرح هذه المبادرة الوطنية والتي انساق من خلال مضامينها إلى المقترحات والرؤى التي تقدمت بها المعارضة في وقت سابق ضمن محطات الحوار والاتفاقات السابقة ولم يجد الرئيس حرجاً في إعلان ذلك من أجل الوطن ومن أجل الخروج به من الأوضاع الراهنة ,حيث تضمنت المبادرة التي وصفت بأنها مبادرة الإنقاذ الوطني الإعلان عن عودة اللجنة الرباعية لطاولة الحوار واستئناف ماتبقى من قضايا مدرجة على جدول أعمال اللجنة وغيرها من المستجدات التي تهم الوطن والمواطن,وحرصت على فتح السجل الانتخابي أمام كل من بلغوا السن القانونية ليتسنى لهم المشاركة في العملية الديمقراطية , وكذا تجميد مشروع التعديلات الدستورية المطروح على طاولة البرلمان, وهي نقاط فرضت تأجيل الانتخابات البرلمانية إلى موعد يتم تحديده من خلال جلسات الحوار والتوافق الوطني وقد سبق هذه المبادرة الوطنية سلسلة من التوجيهات الهامة الهادفة إلى معالجة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتخفيف الأعباء على الموظفين وذوي الدخل المحدود والأسر الفقيرة والمعدمة والتي تشمل التوجيه بسرعة صرف المرحلة الثالثة من استراتيجية المرتبات والأجور وتخفيض ضريبة الدخل على الموظفين المدنيين والعسكريين ,واعفاء طلاب الجامعات والمعاهد الحكومية التي تعمل بنظام التعليم الموازي من الرسوم المتبقية عليهم الخاصة بالنصف الثاني من العام الدراسي الحالي والتوجيه بإعادة النظر في رسوم التعليم الموازي ولما من شأنه تخفيف الأعباء الدراسية على المواطنين, بالإضافة إلى التوجيه بإنشاء صندوق خاص بدعم خريجي الجامعات والمعاهد والعمل على توظيف مانسبته 25% من الخريجين خلال العام الحالي وذلك بهدف استيعاب مخرجات الجامعات والمعاهد المهنية والتقنية للتخفيف من البطالة ووضع آلية لاستيعاب كافة الخريجين خلال السنوات القادمة وبحسب الأولوية ,وكذا العمل على اعتماد نصف مليون حالة جديدة من مستحقي الرعاية الاجتماعية ضمن الجهود المبذولة للحد من الفقر تماشياً مع مضامين البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية , بالإضافة إلى العديد من التوجيهات الهادفة إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وهي توجيهات وطنية تستحق الإشادة ومن الضرورة العمل على تطبيقها على أرض الواقع ليلمس الجميع الفائدة منها , وخصوصاً أنها توجيهات كثيرة تصب في ذات الاتجاه ولكنها تظل مجرد حبر على ورق إذا لم تستشعر السلطات الحكومية المختصة لمسئولياتها تجاه ذلك ولغياب الرقابة والمتابعة على سير عمل هذه السلطات, وأمام هذه المبادرة الصادقة والتوجهات الإصلاحية المعلن عنها فإن الكرة اليوم أصبحت في ملعب المعارضة التي باتت اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى أن تتعامل معها بمسئولية بعيداً عن التساهل واللامبالاة فالمبادرة تضمنت مطالبها الرئيسية التي تطالب بها وعليها أن تسارع في العودة إلى طاولة الحوار والابتعاد عن العناد والمواقف السلبية , فما تضمنته مبادرة الانقاذ الرئاسية خطوة ايجابية وبالامكان التحاور والنقاش حول بقية القضايا بروح وطنية في إطار جلسات الحوار, وعلى المشترك أن يعي أن هذه الفرصة التاريخية قد لاتتكرر وعلى قياداته استغلالها من أجل المصلحة الوطنية. والمطلوب اليوم استئناف الحوار الوطني وتجاوز الماضي وطي صفحاته والعمل على ما فيه عزة الوطن وتقدمه ورفعته وترسيخ وحدته والحفاظ على أمنه واستقراره وتحسين أوضاعه الاقتصادية والمعيشية وخلق المزيد من مناخات الحرية والديمقراطية. وفي الأخير لابد من الإشارة إلى أن هناك سلبيات واختلالات عديدة ومن شأنه استئناف جبهة وطنية توافقية للقضاء عليها, ففي إطار الحوار الوطني ستحل كافة القضايا وسيتم تجاوز كل الأزمات. وأخيراً نقول اليمن بخير ومهما تباينت الآراء فلايمكن المساس بالثوابت الوطنية والتآمر على تدمير الوطن .. فنحن أبناء الحكمة والإيمان, إلينا يأوي الهاربون من الفتن ومداهمات الأحداث, كما أخبرنا بذلك الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام ,ومن السخف والبلاهة أن يظن البعض أن بإمكانهم إشعال الفتن في أوساطنا أو يقودوننا إلى مربع العنف والفوضى, فالشعب يعي مصلحته ويدرك جيداً ما يضره وما ينفعه. [email protected]