اندفع ربابنة الذكاء الاصطناعي يجدفون المحيط اللجّي بحثاً عن كنز مفقود في قاع البحر، من سفينة اسبانية نهبت المستعمرات قبل خمسة قرون؛ فراهنوا أن يفهموا نموذج عمل الدماغ بتقليده بالكمبيوتر، وقاموا بمشروع خرافي بعمل استغرق عشر سنوات بإطعام لا يعرف الهدوء وتغذية مستمرة للمعلومات من ثلاثة آلاف حقل معرفي وبلغة خاصة به مزودة بمائة ألف أكسيوم أي بديهية منطقية صارمة ومعلومات دقيقة وترتيب محير لإنشاء قاعدة انتولوجية للمعرفة عسى أن ينضج الوليد الحديدي وينظم ذكاءه بنفسه. ولكن الجبل المعرفي في مشروع سايك للعالم دوج لينات لم يكشف عن نفسه إلا أنه جهاز ميت قد شبع موتاً أكثر من موت أهرامات خوفو العملاقة، فكان مثلهم كمن يريد قبض الريح. وتراهن العالمة روزاليند بيكارد من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا على دمج التحليل العقلي مع العواطف، من خلال دراسة آثارها البيولوجية، فاعتمدت أجهزة حساسة متنوعة لنقل الانفعالات إلى دراسات واضحة بيولوجية. فالغضب يعرف من تقلص العضلات، والانفعال من التعرق وضربات القلب وهكذا، وإدخال كل ذلك إلى بطن الكمبيوتر؛ بنقل هذا المزيج السحري الجديد من العقل المجرد مع مرقة العواطف وإطعام الكمبيوتر بها، إلى درجة إيجاد ذكاء صناعي عنده، بحيث تتفاعل الكمبيوترات مع بعضها بالمشاعر والأحاسيس والعواطف مثل الكائنات الحية، حتى يتحول بزعمها إلى كائن ذكي، ولكنها كانت مراهنة تسلق الجدار على ظهر شعاع شمس وتقول شولم شولم سبع مرات مثل الذي جاء في قصص كليلة ودمنة؛ فالتجربة أثبتت أنها لا تزيد عن أعمال رجال السيرك الذين يخرجون الأرانب من القبعات السوداء. واكتملت رحلة البحث للتفتيش عن الذكاء المختفي باقتراح الجنون والهلوسة على الكمبيوتر كي يتصرف مثل العقل الإنساني؛ فطالما لم نضع يدنا على منطقية لعمل العقل حتى الآن، فلابد أنه يشتغل بقواعد فوضى وجنون. فالباحث ديفيد جيلينتر الباحث في جامعة ييل ظن أن كل الصيد في جوف القطا، فنصح بإدخال جرعة هلوسة وجنون إلى الكمبيوتر بتعليمه الفوضى والصدفة والشذوذ، ومكتبه نموذج للفوضى, فهو يسبح بين الكتب المتناثرة وبقايا صحون الطعام وعلب الببسي كولا. إذا لم يكن العقل فلتكن الرحلة باتجاه قطب الجنون, هل الأمر محير إلى هذا القدر, هل الإنسان لغز مستعصٍ غير قابل للتفسير والفك, هل المعرفة مستحيلة, هل العقل مهزلة كما قال الوردي, أو كما قال عالم النفس سكينر: العقل أعمى والحرية وهم؟!. لماذا كان الذكاء أذكى من أن يبوح بسره؟!.