لتحديد العلاقة بين الثقافة والتنمية لابأس من استدعاء التعريف النمطي الأكثر شيوعاً للثقافة، ذلك التعريف الذي يجعل الثقافة بمثابة إعادة انتاج شامل للقيم المادية والروحية وبمشاركة قطاعات المجتمع وفعالياته المختلفة. من هنا سنرى أن هذا التعريف تباعد اجرائياً عن التعريف النمطي السائد والمقرون بالانتلجنسيا، أو من ينتمون للثقافة العالمة من مفكرين وادباء وكتاب واساتذة جامعة، وغيرهم من الفئات ذات الحظ الوافر في التعاطي مع الثقافة بوصفها تجريداً حيناً، وابستمولوجيا أحايين أُخرى . نقصد بالابستمولوجيا هنا : المعرفة العلمية المحضة ذات الصلة بالمنطق الرياضي الجبري، ولهذا وجب التوضيح. ماقلناه في البداية حول الثقافة بوصفها اعادة إنتاج شامل للقيم المادية والروحية، يعني تماماً أن هذه الثقافة تتّصل بكل شرائح المجتمع بما في ذلك صانعو القيم المادية ممن ينتمون إلى الثقافة الشفاهية البسيطة، وثقافة العمل الفاعلة في أساس التنمية، ولم ينالوا قسطاً من التعليم، لكنهم وبالرغم من ذلك يعرفون مالايعرفه فئة الثقافة العالمة، ويجيدون مالا يجيده العلماء، فأستاذ العلوم الزراعية ليس في مثابة المزارع الذي ورث معرفة الأرض وأسرارها أباً عن جد، والفنان التشكيلي المُتطلّع للفكرة الجديدة ليس في مثابة الفنان العامّي الذي يجيد أنواعاً من الفون التطبيقية ذات الأهمية البالغة في حياة الناس، وعالم البحار لا يستطيع الاستغناء عن البحّار المُجرب الذي تمرّغ في مياه المحيطات. [email protected]