إذا كان النظام الحاكم ممثلاً بالقيادة السياسية لفخامة الأخ علي عبدالله صالح, رئيس الجمهورية قد استجاب لمطالب المعارضة بمختلف أحزابها الفردية والمشتركة رغم اختلاف وتعدد وتباين وتضارب تلك المطالب وقام بتنفيذ العديد من الإصلاحات تلو الإصلاحات والتنازلات تلو التنازلات وفي مقدمة ذلك النزول عند رغبة المعارضة لتأجيل الانتخابات وإيقاف التعديلات الدستورية وغيرها من المطالب ودعوة المعارضة وأحزابها السياسية إلى التفاهم والحوار في إطار اللجنة الرباعية المشكلة من حكماء وعقلاء المؤتمر والمشترك وغيرهما من التنظيمات الجماهيرية والحزبية الأخرى لبحث كافة الآليات السلمية المناسبة لتهدئة الأوضاع المحتقنة في الشارع وتوفير المناخات والأجواء الهادئة اللازمة للاتفاق على الإجراءات الممكنة لتنفيذ حزمة الإصلاحات التي أعلنها الرئيس أمام مجلسي النواب والشورى ورئيس وأعضاء الحكومة وممثلي اللجان الشعبية والتنظيمات الجماهيرية وتأكيده عدم الترشح لأية انتخابات رئاسية قادمة وإزالة كل الشكوك والأوهام والإشاعات الدعائية المغرضة التي يروج لها محبو الفوضى وزارعو الفتن فيما يتعلق بتوريث الحكم. وإذا كانت هذه المبادرات الفورية والإيجابية لفخامة الأخ الرئيس قد لقيت ترحيباً واسعاً وتأييداً كبيراً من كافة أبناء الشعب اليمني ومباركة زعماء ورؤساء وملوك الدول العربية الشقيقة ودول العالم الخارجي وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي والعالم كما رحبت بها أحزاب المعارضة واللقاء المشترك وأكدت استجابتها للحوار الذي دعا إليه الأخ الرئيس لحقن الدماء والحفاظ على أرواح الشعب ومكاسب الوطن وخيراته وثرواته. وإذا كانت تلك الأحزاب قد رحّبت بالمبادرات الشجاعة لرئيس الجمهورية وبدء جلسات الحوار مع الطرف الآخر لتنفيذها على أرض الواقع, فإن استمرار عمليات التجمهر والاعتصام والمظاهرات القائمة في الشارع من قبل أحزاب المعارضة واللقاء المشترك لهي أكبر دليل على عدم جدية هذه الأحزاب للتعامل مع مبادرات الرئيس بنوع من الجدية والمصداقية والتي مازالت تراهن على استخدام ورقة الفوضى والمظاهرات كوسيلة ضغط على النظام ليقبل سقف مطالبها المتزايدة من وقت إلى آخر من ناحية، ومن ناحية أخرى التعويل على تلك التجمعات والمسيرات لإسقاط النظام حتى إذا فشلت في تحقيق هذه الأهداف المرسومة لها من قبل أحزاب المعارضة واللقاء المشترك, فقد ضمنت لنفسها تحقيق أكبر قدر ممكن من المطالبات التي تمارسها تحت قبة الحوار مع النظام والذي مازالت تتهرب وتتقاعس عنه بطلبات وشروط أخرى تتضمن الحصول على مزيد من الضمانات لتنفيذ المبادرات التي أعلنها النظام وذلك بناء على ما تتلقاه هذه الأحزاب من إملاءات وتعليمات شيطانية على لسان أعوانها ومستشاريها في الداخل والخارج من العناصر التي لا تريد أية إصلاحات تخدم الشعب والوطن ولا تريد سوى المزيد من الفوضى والخراب والدمار للبلاد ومصادرة ثرواتها وخيراتها ومكاسبها والوصول إلى السلطة عن طريق إغراق الوطن في بحر من الدماء والتصفيات الجسدية لرموز الشعب والنظام الذين أسهموا في تفجير الثورات اليمنية سبتمبر وأكتوبر ضد الإمامة والاستعمار وحافظوا على دعائم تلك الثورات وترسيخ النظام الجمهوري وتحقيق الوحدة الوطنية والدفاع عنها ضد كل العناصر والعصابات الإمامية والاستعمارية ودعاة التشطير والانفصال المتحالفة مع أحزاب المعارضة والتي تعتقد اليوم أنها قد وجدت الفرصة المواتية للنيل من الشعب والوطن وقيادته السياسية في ظل احتقان الأوضاع التي تمر بها المنطقة العربية وما تتعرض له من ضغوط خارجية لبعض الدول الكبرى التي لا يهمها سوى الحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط وضمان سيطرتها على ثرواتها النفطية والطبيعية وغيرها لاسيما إذا كانت هذه الأحزاب والعناصر قد أكدت ولاءها لتلك الدول والأنظمة الخارجية مقابل الحصول على دعمها لتأجيج أوضاع الفوضى والصراع في اليمن وقلب نظام الحكم كما حدث في كل من تونس ومصر. وإذا كان هذا هو تفكير أحزاب المعارضة واللقاء المشترك ونتيجة ما وصلت إليه من مخططات للتخاذل والتقاعس عن مشروع الحوار الوطني الذي دعا إليه الحزب الحاكم ولجوئها إلى محاولة اللعب على الحبلين من خلال القبول بالحوار تارة والتجمهر والمظاهرة في الشارع تارة أخرى لتأجيج الأوضاع وإشعالها أكثر وأكثر فإنها لا شك سوف تخسر الرهان. لأن من يحاول أن يستمد قوته من أعداء الوطن والأنظمة الخارجية والاستقواء بها لقهر إرادة الشعوب لن يقدر على تحقيق أي انتصار, ولا تعتبر هذه التصرفات والسلوكيات سوى نوع من الغباء والانتحار السياسي والسقوط في مستنقعات العمالة والخيانة، وهي بلا شك بداية السقوط لكل من يراهن على بيع وطنه بأرخص الأثمان، ولن ينال سوى لعنة الشعب والوطن والاندحار في مزبلة التاريخ التي سقط فيها الكثير من جحافل الإمامة والاستعمار ودعاة التشطير والانفصال وغيرهم من أعداء الوطن. وخير لهؤلاء العودة إلى صوت العقل والمنطق والحكمة التي وصفنا بها خير البرية, والانصياع لخيار التشاور والحوار الذي أمر به المولى عز وجل بقوله: “وأمرهم شورى بينهم” فلا صوت يعلو فوق صوت الشعب الذي يقول: لا للممارسات الهدامة والفوضى الخلاقة والمعاندة والمكابرة, ولا لأي فعل ورد فعل من شأنه الإضرار بأمن الوطن واستقراره ووحدته وخيراته ومكاسبه ولا للحاقدين والمندسين والشامتين والطامعين والمحرضين والمنافقين, فلسنا في حاجة للاقتتال على السلطة مادامت لدينا طرق آمنة وسليمة للوصول إليها عن طريق صناديق الاقتراع. فيا كل عالم ومفكر, ويا كل محامٍ وسياسي, ويا كل شاب وعاقل, ويا كل مناضل ومخلص لوطنه وشعبه حافظوا على سلامة بلادكم, ووفروا جهودكم وأصواتكم، واحتفظوا بها ليوم الاقتراع القادم واعطوها لمن تزكونه وتثقون به لقيادة البلاد عبر صناديق الانتخابات الكفيلة بتحقيق مطالبكم ودعواتكم لنقل السلطة إلى من تريدونه وتجمعون عليه بصورة آمنة وسليمة دون سفك أية قطرة دم واحدة, ودون إلحاق أية أضرار بمصالح البلاد. واثبتوا للعالم من حولكم والمتربصين بكم أنكم جديرون بتحمل هذه المسؤولية الوطنية, وأنكم أبناء من شيّدوا الحضارات اليمنية القديمة وصدّروها إلى العالم, وأنكم أبناء بلد الإيمان والحكمة والشورى من عهد بلقيس وأروى, وانبذوا نقل السلطة بهذه الصورة المشينة, بل احرصوا على أن تكون بطريقة منظمة وقانونية تكفل سلامة الأرواح وحقن الدماء وصون خيرات الوطن ومكاسبه. ولماذا لا نصطبر وننتظر لذلك اليوم الذي نصنع فيه مستقبل الغد الكريم لأولادنا وأحفادنا من بعدنا ونكون قدوة لهم في تبني المحبة والوئام والاستقرار والسلام بدلاً من أن نورّث لهم الحقد والكراهية والعداوة والبغضاء والثورات والدماء وعادات وتقاليد الثأر والانتقام التي مازلنا نعاني من مآسيها وآلامها وآثارها في كثير من المدن والقرى والعشائر والمجتمعات القبلية في بلادنا؟!. فلنتقِ الله في أنفسنا ووطنا والأجيال من بعدنا ونتدارك أمورنا ومشاكلنا والعمل على حلها بالتشاور والحوار لا بالأسلحة والنار لأنها ستحرقنا كلنا لاسيما إذا أدركنا طبيعة وخصائص مجتمعنا وشعبنا المسلح والذي يشبّهه البعض ببرميل من البارود القابل للانفجار إذا ما تعرض لأية شرارة أو رصاصة طائشة لا سمح الله. فهل من آذان صاغية, وهل من عقول راجحة لنبذ العنف والصراع على السلطة وتحمل مسؤولية الحفاظ على أرواح ومكاسب شعب بأكمله تكاد أن تعصف به المؤامرات من كل حدب وصوب؟!. اللهم اشهد وأنت خير الشاهدين.