لاينكر إلا حاقد أو جاهل عظمة الإسلام وقيمه السمحة واتساقه مع الفطرة الإنسانية، ولهذا دخله الناس أفواجاً وشهد لمنهجه الرباني العدو قبل الصديق، فلا عجب أن نرى - والحال هذا مفكرين غربيين ينجذبون إليه ويعلنون إسلامهم استجابة لنداء الفطرة، وتوافقاً مع قيم التسامح والوسطية والحرية التي استبطنها منهج الإسلام عند تلبيته لحاجات الناس وتطلعاتهم الروحية، وطوال تاريخه لم يجد الإسلام الطريق وعرة إلى قلوب البشر باستثناء أولئك الذين رأوا في منهجه تهديداً لمصالحهم وقضاءً على ظلمهم. وليس أدل على ذلك من الفتوحات الناعمة«دخول الناس بدون حرب» التي كانت إحدى معالم هذا الدين العظيم. إذن المشكلة ليست في الإسلام وإنما في طريقة التدين الفجة التي يمارسها البعض محولاً الإسلام إلى بعبع بتصرفاته الرثة الناجمة عن فهم ضيق وآنٍ للدين والذي تتناقض مع غنى الإسلام وثرائه، الأمر الذي أفضى إلى اتهام الغرب لنا بالبرابرة، واتهام الإسلام بمحاربة المرأة وبأنه يقف سداً منيعاً ضد الديمقراطية ويخنق الحريات، وهذا خلط بين الإسلام كما هو في مصادره الأصلية من جهة وتطبيقاته التاريخية التي اتخذت أشكالاً مختلفة وأحياناً فجة من جهة أخرى. ومما زاد الطين بلة أحداث 11 سبتمبر التي أصبحت معياراً ونموذجاً يقدمه كل من أراد الطعن بالإسلام وأهله بقصد أو بدون قصد. لقد جنى علينا التصور القاصر لهذا الدين الويلات سواء وعى أصحاب ذلك التصور أم لم يعوا، وانعكس ذلك في مظاهر عديدة في تعامل الرأي العام مع قضايا المسلمين في الغرب أو في مناصرتهم للقضية الفلسطينية أو في تزايد التخندق الإيديولوجي وارتفاع منسوب التعصب. إن تاريخية الفكر الإسلامي تلغي النظرة الجامدة إليه وتجعل المجتهد لايتوقف عند مرحلة معينة من تاريخ الإسلام ليجعلها نموذجاً يحتذى وإنما يأخذ بروح الإسلام ومنهجه القائم على المرونة وتعددية الرؤى تبعاً لتنوع العصور والأمكنة وما يرتبط بها من ثقافات. يقدّم الإسلام خطوطاً عريضة لبني البشر تاركاً التفاصيل للمجتهدين من النابغين من أبنائه، ففي عصر الراشدين مثلاً فُهمت الشورى بشكل معين وحُصرت في “أهل الحل والعقد” وهذا هو الفهم العُمري، عندما أوصى عمر رضى الله عنه باختيار واحد من خمسة كان قد رشحهم للخلافة من بعده وهذا هو الشكل الأولي من أشكال الديمقراطية كان مناسباً لثقافة ذلك العصر، أما وقد اتسع المجتمع وتطورت الإنسانية وتعمقت معرفة البشر بحياتهم فإن الديمقراطية هي امتداد طبيعي للشورى ونسخة مطورة عنها فلا مناص من الأخذ بها. ولسنا ملزمين بالفهم العمري مع تقديرنا الكبير له وهذا للتمثيل ليس إلا. إننا نملك أعدل قضية ولكنها بيد أسوأ محامٍ ونملك أجود بضاعة ولكنها تفتقر إلى تاجر جيد لتسويقها، ولهذا فإن “مندوبي المبيعات” في الغالب يسحبون الرصيد الحضاري لهذا الدين العظيم.