ما من شك في أننا جميعاً نتحمل مسؤولية كبيرة أمام الله وأمام الشعب والوطن فيما يتعلق بالأزمة الراهنة والتصعيد الخطير الذي يهدد حاضرنا ومستقبل أجيالنا ويدخل البلاد في نفق مظلم وفوضى وفتنة عارمة لا تبقي ولا تذر ولا أحد منا يستطيع الجزم في تقدير حجم المأساة التي قد تنجم لا سمح الله إذا ما حدثت الفتنة وذرت بقرنها وتغلبت على صوت العقل والمنطق وغابت عن أبناء اليمن حكمتهم التي طالما تغنوا بها عبر الأزمان والتاريخ باعتبارها شهادة عظيمة وكبيرة من لدن رسول كريم هو خاتم الأنبياء وسيد الخلق محمد علية أفضل الصلاة وأجل التسليم, الذي وصف أهل اليمن برقة القلب وما تحمله هذه الكلمة من معنى متجذر في أعماق النفس البشرية يعطي للحياة قيمة بل إن الحياة من دون رقة تصبح بلا قيمة ولا معنى وتتحول إلى عذاب أليم, كما وصف النبي عليه الصلاة والسلام أهل اليمن باللين وما تحويه هذه الكلمة من دلالات وأبعاد لا يدركها إلا من له قلب حساس عامر بالعواطف جياش بالمشاعر, إذ إن الحياة في ضل التوتر والقسوة والعداوة والبغضاء تفقد كل معنى للحياة الجميلة الرائعة وعندها يصبح الموت أكثر رحمة وراحة من حياة تفوح منها رائحة الكراهية والمكر والغدر والدم المسفوح. فإذا كنا جميعا مسئولين عن ما يحدث لبلادنا فإن على العلماء مسؤولية اكبر بشكل خاص, حيث إنهم وحدهم يتحملون واجب القيام بالوعظ والإرشاد والنصح وقول كلمة الحق حتى ولو كان مرّا, وهذا يتطلب من العلماء أن يكونوا متجردين من الانتماءات الحزبية الضيقة التي غالبا ما تلقي بظلال من الشك على مصداقية العالم المتحزب والمتعصب, ولذا فإن التجرد مطلوب في هذه المرحلة وفي هذا الوقت بالذات خصوصا وأن العلماء معنيون اليوم أكثر من أي وقت مضى في قول كلمة الحق وتقديم النصح للحاكم والمحكوم درءًا للفتنة وحفاظا على مصالح الشعب وحقناً للدماء وحرصا على أمن وسلامة المجتمع ووحدة البلاد من التشظي والتمزق والتفتيت, ولذلك فإن المطلوب من العلماء والخطباء تذكير الناس بالحلال والحرام وبما يجوز وما لا يجوز والتحذير من الفتنة ومن مغبة الانزلاق إلى مخاطرها خصوصا أن دم المسلم على المسلم حرام والقاتل والمقتول في النار, ولذا فإن السكوت عن هذا حرام أيضا والساكت عن الحق شيطان أخرس في الظروف العادية فكيف يكون السكوت في وقت الشدة والمحنة والبلاد توشك أن تقع في شباك الفتنة التي لها أول ولكن لن يكون لها آخر على الإطلاق. إن دماء الناس وأموالهم وأعراضهم أمانة في أعناق العلماء والخطباء والوعاظ خصوصاً أن الشعب في بلد الإيمان والحكمة يثق بالعلماء ويوليهم اهتماماً كبيراً، كما أن الدين الإسلامي الحنيف متأصل في أعماق الشعب اليمني وسرعان ما يستجيب الناس للخطاب الديني وينقادون له في ظل خلط الأوراق السياسية والمزايدة والمكايدة المتبادلة بين الأحزاب السياسية المتنافسة التي عجزت عن التفاهم والحوار ولجأت إلى أسلوب التصعيد والتهديد والوعيد والصدام والمواجهة والعنف الذي سيقود بلا شك إلى الفوضى والفتنة العارمة جنّبنا الله من الوقوع في شركها وأبعدنا الله عن ويلاتها وعواقبها الوخيمة. وهنا أعود مرة أخرى إلى علمائنا الأجلاء كون الحل بأيديهم وهم بصفة خاصة اقدر من غيرهم على لمّ الشمل وتوحيد الصف وجبر الخواطر وتهدئة النفوس نظراً لمكانتهم الدينية في قلوب الناس, ولكن يجب عليهم إن أرادوا النجاح لمهمتهم الابتعاد عن التحزب والتعصب كونهم حكما وليسو أطراف نزاع, والحكم العادل هو من يتسم بالنزاهة والعدل والحياد وقول الحق حتى ولو كان مرّا, وفق الله علماءنا الأجلاء لما يحب ويرضى ولما فيه مصلحة بلادنا وأمنها واستقرارها وسلامة وحدتها الوطنية. (*) باحث بمركز الدراسات والبحوث اليمني [email protected]