أعترف للقارىء أنني كنت أمر أمام حرفي ر ر RR باللغة الانكليزية أثناء فحص المرضى, فأعرف أنه يعنى بها قياس الضغط الدموي, ولكن لم يخطر في بالي أن أربط بها وبين قياس الضغط وحتى لو فعلت لأعجزني ذلك. ولم ينفك اللغز حتى عرفت أصل الكلمة, وأنها تعود إلى الطبيب الإيطالي سيبيوني ريفا روشي Scipione Riva Rocci وهي الآن في الكثير من المؤسسات الطبية استبدلت بحرفي BP وهي تعني باللغة الإنجليزية ضغط الدم. وهكذا ارتبطت الكلمة بالحرف الأولي من الكلمة كما في شركة سابتكو السعودية التي هي تقليد لهذه الطريقة, وهي بداية تجميع حروف الكلمات التي تعني الشركة السعودية للنقل الجماعي. وكما في كلمة الإيدز التي هي تجميع حروف بدايات الكلمات التي تصف المرض نقص المناعة الكسبي. والمهم فهذا الطبيب الذي عاش بين 1863 حتى 1937م وصل إلى اختراعه الرائع والمهم الذي لا يستغني عنه طبيب وهو طبيب مقيم في سن شبابه, وهكذا العمل الإبداعي دوماً فهو إنجاز الشباب. وأنا أذكر شخصياً وأتعجب من نفسي كيف كتبت كتابي الأول “الطب محراب للإيمان” وعمري 24 سنة دون بروفة واحدة بوحي واحد. قال الطبيب الإيطالي ريفا روشي من جامعة تورين وهو يستعرض جهازه أمام الناس لا يحتاج أحدنا لقياس ضغط الدم في الشرايين كما كان في السابق بوضع قثاطر خاصة معقدة ضمن مجرى الدم ثم قياسه, وكل ما نحتاجه مطاط دولاب دراجة لستك داخلي وبالونة مطاطية للنفخ وحوض صغير من الزئبق متصل بين الاثنين وبنفخ إطار الدراجة المطاطي الموضوع حول الذراع والموصول ببالونة النفخ والمتصل بدورها بحوض زئبقي مغلق يمكن معرفة متى يختفي النبض في اليد, وبهذا شق الطريق إلى الطريقة غير المباشرة لقياس الضغط وبشكل عملي بسيط. ثم تابعه الطبيب الروسي نيكولاي سيرجيفيتش كوروتكوف الذي أضاف وحسّن في الجهاز, فأخذ يستخدم السماعة الطبية بوضعها تحت اللستك على الذراع أي الإطار المنفوخ وهو حالياً على شكل لفافة تنفخ فوق الذراع فوصل إلى سماع واضح لصوتين أولاً تدفق الدم وهو قوة مجيئه من القلب ثم اختفائه التدريجي وهو ضغط الدم في الشرايين. والأطباء اليوم يعرفون أن الضغط ضغطان, أي الانقباضي والانبساطي ووضعوا له قاعدة تفيد الصحة من المرض وهو تقسيم الانقباضي على اثنين زائد واحد, فيكون الانبساطي في وضعه المثالي, فلو كان الانقباضي 14 فيجب أن يكون الانبساطي ثمانية وهكذا. وبدمج الضغط بالنبض يمكن معرفة الوضع الصحي للإنسان, ونحن نعرف في الصدمة أن النبض يزداد والضغط ينخفض مثل عملية المقص وهي تقص الإنسان كلما وقع تحت حوافها الحادة. مثل لو أصبح النبض 160 في الدقيقة ونزل الضغط إلى 60 فيكون هذا مؤشر الخطر وأن المريض ينزف مثلاً أو هو في حالة صدمة يجب الانتباه فيها قبل أن يفقد حياته. وهكذا بدأ ينظر إلى الإنسان أنه ماكينة فيزيولوجية يمكن أن تقاس وتصلح, “وعلّم الإنسان ما لم يعلم”.