النوم ورشة إصلاح الأجساد المتعبة، غرفة عمليات تتابع وظائف الجسد الجبارة نهاراً لتزوّدها بالمعلومات والبيانات والمفردات اللازمة لها حتى تستطيع أن تستشف مستقبلها وتطمئن لأداء وظائفها وتحاول تحسين الصورة الحاضرة والمستقبلية وفق أنماط جديدة متعددة خاصة بها, والنوم غذاء الأجساد والأرواح معاً حيث إنه لايغذي الجسد فقط كالطعام والنظافة ولايغذي الروح بمفردها كالصلاة والصيام والتأمل وقراءة القرآن بل هو يجمعهما معاً في محراب واحد ساكن جداً في حالة وفاة مؤقتة تصعد الأرواح خلالها إلى عالم السماء في رحلة خيالية شفافة تتداخل فيها أطراف الحقيقة وذوائب الخيال في لحظات ارتقاء روحاني فكري تكون الإرادة إلإلهية والتجلي الرباني فيها حكماً عدلاً وشاهداً صدقاً على رحلة قصيرة قد تنتهي بلحظة موت أو تبدأ من جديد في منحة حياة.. القرآن الكريم صور ذلك تصويراً رائعاً فقال تعالى في سورة الزمر: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها, فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} صدق الله العظيم ومن المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا أمسى يقول: باسمك اللهم وضعت جنبي وبك أرفعه فإن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاغفر لها واحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين، ويقول مثلها إذا أصبح بما يناسب النهار لفظاً. والموت أثناء النوم يسمى موت الفجأة وتستطيع تسميته بموت الغفلة أو السكتة ولهذا لايجب أن يستعرض الإنسان مستقبله قبل النوم بل يجب استعراض ماضيه والاستغفار لذنوبه لأنه قد لايستيقظ من جديد أبداً. والنوم محطة توقف قسرية لابد من حدوثها لأن أجسادنا تتزود منه بالوقود الضروري لحركة النهار وأعبائه الراكدة في قاع النفس ولهذا نجد أن من فوائد الرؤى والأحلام أنها تعمل على تطهير شوائب النفوس وتخليصها من التعب وربما إرشادها إلى الحلول النهائية والصحيحة لكثير من القضايا التي تجعلها تقف على مفترق طرق بين الصواب والخطأ, وهذا أيضاً أوضحه القرآن جلياً في سورة يوسف عليه السلام، حيث صور الرؤيا على أنها بشارة لملك عظيم سيناله يوسف حين يكبر, وربما كان هذا عزاءً كافياً حتى يبعث الصبر في نفس يعقوب عليه السلام حين فقد يوسف وهو أحب أبنائه إلى قلبه، وكذلك رؤيا الملك التي أوّلها يوسف عليه السلام وكانت تلك الرؤيا بداية عهد جديد ليوسف ولمصر ملكاً وشعباً وحاشيةً, وسبباً لإظهار براءة يوسف عليه السلام من تهمة امرأة العزيز وفي نفس الوقت إدانة إخوته بجريمة إلقائه في البئر. إذاً برؤيا واحدة قد تتضح للمرء حقائق واضحة لم يكن يتخيل أنه سيشهدها يوماً ما، إذاً فالنوم سرير الراحة النفسية كما هو سرير الراحة الجسدية وهو كتاب العجائب الروحية كماهي اليقظة كتاب العجائب الجسدية والإنسانية.. والنوم مفتاح الراحة كما هي اليقظة مفتاح التعب ومن السيئ جداً أن ننقل أحزاننا ومعاناتنا كل مساء إلى الفراش بل يجب أن نلقيها بعيداً حتى يتسنى لنا أخذ حقنا من الراحة والهدوء، وهناك حالات نفسية ووجدانية تجعل من النوم فصلاً محزناً ومن الليل شبحاً مرعباً حتى يتمنى المرء أحياناً لو كان يومه كله نهاراً ليس بعده ليل! ومن هذه الحالات الوجدانية الرغبة الملحّة في التقرب إلى الله خوفاً من عذابه وطمعاً في مغفرته, إذ يقول عز وجل في سورة السجدة: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون}, ومعنى كلمة تتجافى أي ترتفع وتتنحى عن الفراش بغرض العبادة وهذا من تعلق القلوب بالخالق والرغبة في الاتصال به .. الشيء ذاته يحدث في حب الخلق والرغبة في التواصل معهم إذ يلعب الحب في أعلى درجاته من عشقٍ وولهٍ دوراً كبيراً في إقلاق المنام وتحويل الفراش إلى قطعة من نار تحرق الأجساد والقلوب معاً ويأتي التجافي هنا بشكل ومعنى آخر ففي حالة الأتقياء تتجافى الأجساد عن المضاجع وفي حالة العشاق تتجافى الأجساد إلى المضاجع وكلاهما يتصل بموصوله في الحب قرباً وبعداً مع اختلاف الهروب من الحبيب وإليه. النوم بحر الأجساد الذي ليس له شاطئ إلا اليقظة فانعموا بحمام دافئ وثياب نوم نظيفة ومريحة واغرقوا في أحلام وردية لطيفة حتى تشرق الشمس.. تصبحوا على خير!!.