احتدم الخلاف بين الزوجين، وتبارت الألسن كما لو أنها في مسابقة ماراثونية لتسجيل نقاط. غير أن الأهداف هذه المرة كانت وهمية حد الإقامة في متاهة اللامعقول، فقد بدأ الخلاف منذ تلك اللحظة التي انصرف فيها الزوج لمزاولة هوايته اليومية بالتجوال في عالم الوسائط المتعددة، واستتباعات ذلك التجوال الذي لم يقف عند حد الاقامة في مرابع النت السحري، بل تجاوزه إلى محادثات مطولة لاتخلو من الصور المُتبادلة. منذ تلك الليلة تحول الانترنت إلى كابوس يقض مضجع الزوجين، فالشروع في الإبحار اليومي مع عوالمه السحرية كان بمثابة التدشين لمعركة خاسرة، أفضت إلى تذويب أرقى المعاني المشتركة بينهما. بعدها بدت ردود أفعال الزوجة أكثر صعقاً، لأنها تدرك القيمة الثمينة للزمن المنزلي المسيّج بسلسلة واسعة مع الأوليات والاهتمامات، ولقد رأت بأم عينيها كيف يتحول “ النت”إلى غول يفترس الزمان والمكان معاً، فإذا بالواقع الافتراضي يستحيل تنيناً يلتهم الواقع المتحقق بدلالة المكان والزمان الماثلين، فيما العلاقات الثنائية القابعة في أساس المعاني اليومية للحقيقة تتآكل بفعل الوسائط وآثارها على البشر. لم يتوقف خلاف الزوجين عند تخوم النت واستتباعاته، بل تطور كعادته، ليستعيدا معاً ذكريات الأيام، ونتوءات السنين، فاحتدمت حرب باردة بين الطرفين، كان من نتائجها هزيمةحميدة للزوج غير القادر على مجاراة ذاكرة الانثى، وتفاعلهاالخلاق مع ثنائية العقل والعاطفة. لقد ركز الزوج المسكين على عقله البارد، فيما افتقد أي قدر من التركيز العاطفي، فكان ماكان من أمره. لقد انتهت المعركة الزوجية الحميدة بتسليم ناجز أعاد الزوج إلى رشده بعد أن تبيّن له أن وراء الانترنت وآكامه وهضابه وتلاله ما وراءه من أبعاد. [email protected]