يمثّل الإبداع أساس تقدم الشعوب وانتقالها من حالة القبيلة وحياة الغاب إلى حياة المدنية التي يسود فيها القانون وتتسيد فيها العدالة ويصبح كل فرد فيها سيد نفسه ومشاركاً في صنع مصيره، وللإبداع تعريفات مختلفة فمنهم من عرفه بأنه: “التفكير بالمسائل العادية بطريقة غير تقليدية” ومنهم من رأى أن “الإبداع هو رؤية العلاقات والروابط الجديدة بين العناصر المختلفة” وغير ذلك من التعريفات التي في جوهرها تعني اجتراح الحلول وابتكار الأساليب لحل المشكلات والتكيف مع المعطيات الجديدة. وفي مجتمعنا الكثير من المبدعين الذين أناروا لنا طريق الحياة ، لكنهم يعانون من قلة الأضواء المسلطة عليهم ولنا في مبدعينا الذين نالوا جوائز عالمية وإقليمية خير دليل على ذلك، إذ أننا لا نكتشف هؤلاء إلا بعد أن يفوزوا بجوائز خارجية ويشاركوا بمسابقات إقليمية وعالمية والسبب أن بيئتنا طاردة للإبداع ولا تشجع إلا على الاستهلاك وأحياناً يعود السبب إلى المبدع ذاته إذ ينكمش على ذاته ولا يخوض في الشأن العام إلا نادراً، بالإضافة إلى يأسه ومشاركته المتثائبة في المسابقات المحلية على ندرتها. إننا بحاجة إلى توفير بيئة جاذبة للإبداع ومناخ صحي يتنفس فيه الفرد ويستثمر قدراته ما يجعله قادراً على المشاركة في صنع الغد المشرق لهذا الوطن، وهذا لا يتأتى إلا بمحاصرة الشللية وإعطاء المجتهدين حقوقهم، وهذا يبدأ من المدرسة التي من اختصاصها المفترض تفجير المواهب ورعايتها عن طريق الإغداق عليها وإبرازها للرأي العام حتى يصار إلى تمكين الفرد من موهبته والتي ستنعكس حتماً عليه بالإيجاب، وذلك بفتح الآفاق أمامه لضمان الاستفادة المجتمعية منه. إن فكرة إنشاء صندوق للمبدعين هي فكرة صميمية في مسيرة التطور على نحو يجعل المبدعين القلب النابض لحركة الحياة وسيرورتها ويسهم ذلك في احتضان المبدعين والاعتناء بمخرجاتهم ويدفع الأفراد في المجتمع إلى الانخراط في هذه المنظومة وهو على ثقة أنه سيلاقى بالترحاب والاحترام. والحال هكذا فإن البداية تكون بإعادة النظر المستمر في المناهج التعليمية لأنها لا تزال تكرس الحفظ البنكي وتحرم الطالب من مهارات التفكير النقدي وتنمي لديه السلبية إذ تجعله نسخة مكررة من الآخرين غير منخرط في إعادة صياغة ما يعطى له وغير قادر على الاستقلال الفكري وهذا يلقي بظلاله على حياته اليومية التي تميل إلى التطابق مع ماهو سائد ومألوف.