يُجمع المحللون السياسيون والمختصون في شئون تنظيم القاعدة على فرضيتين يرون من خلالهما أنهما تساعدان في استراتيجية هذا التنظيم الرهيب الذي دوّخ قادة الدول العظمى وعلى رأسها حامية النظام العالمي الجديد, أولاهما تقول: إن تنظيم القاعدة يصعب عليه إيجاد ملاذ آمن في دولة قوية مستقرة أو موحدة ونظام سياسي لا يعاني من أزمات واحتقانات سياسية, وأقرب مثال لهم عربياً المملكة العربية السعودية التي يحلم هذا التنظيم بزعزعة أمنها واستقرارها ووحدتها كي يبني على أنقاضها خلافته الإسلامية أو الدولة الإسلامية الكبرى. وعلى العكس من ذلك, فإنه يرى في اليمن وليبيا وسوريا وغيرها فرصته الثمينة ليحولها بواسطة الاضطرابات وموضة “ التغيير” إلى أفغانستان وباكستان جديدتين, بل وذات قيمة كبيرة نظراً لواقع تلك الدول الإستراتيجية لاسيما اليمن وسوريا اللتين تشكلان في نظر قادة هذا التنظيم فكي كماشة يخطط لاستخدامهما إذا سقط نظامهما السياسي للإطباق على الشقيقة السعودية. أما الفرضية الثانية التي يراها هؤلاء المحللون والمختصون, فتقول: بأن لدول الغرب نفسها, والتي أعلنت الحرب على هذا التنظيم بعد أحداث 11 سبتمبر 2001, يداً في استمراريته وتعاظم خطره وتهديداته, ولكن لم يتواصلوا بدقة إلى تحديد هذه الآليات وتلك الطرق المساعدة التي يستخدمها الغرب وأمريكا لمد هذا التنظيم, أو اللغز المحير, على الاستمرارية والنماء. وفي مقابلة أجرتها معه محطة ال “بي.بي.سي” البريطانية مؤخراً أشار فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية حفظه الله إلى شيء من هذا القبيل, وقال في تلك المقابلة: “ إن تنظيم القاعدة يطلبون إلى المعسكرات الخارجة عن النظام والقانون, وأعضاؤه يتحركون في هذه المعسكرات, وهذه المسألة خطيرة جداً جداً, إنهم يرمون بكل الأوراق قبل الأوان,, يستهدفون رحيل السلطة”.. ولكن ما لم يقله فخامة الأخ الرئيس في تلك المقابلة, وقبلها مقابلة قناة العربية معه, هو أنه لا يخشى مخاطر هذا التنظيم الجهنمي فقد قارعه ولقنه درساً في حادث المدمرة (يو.اس.كول) قبل أن تستفيق أمريكا على ضربته الموجعة لها في سبتمبر 2001, ولا يزال إلى يومنا هذا يطارد أعضاءه في كل محافظة ومنطقة, وإن جل ما يخشاه أي فخامته هو استيلاء هذا التنظيم على السلطة بمعاونة المقامرين الجدد الذين يرون فيه نصيراً لهم للوصول إليها. فالأخ الرئيس زاهد وقانع من السلطة, وهذا ما عرفناه بإعلانه في 17 يوليو 2005 على الملأ عن عدم رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية, ولم تمكنه من تحقيق رغبته تلك أغلبية الشعب اليمني. ولكن ما يقلق أو على الأصح ما لم يفصح عنه في مقابلته تلك هو خشيته, عندما يسيطر هذا التنظيم على السلطة بعد رحيله, على الوحدة اليمنية التي أسس لها ورعاها وسقاها من عرقه وأرقه طيلة العشرين عاماً, يخشى أن يراها اليوم وقد ذهبت أدراج الرياح.. فتنظيم القاعدة والإخوان المسلمون الحالمون بالخلافة الإسلامية, لن يرتضوا بيمن موحد وقوي بل أول ما سيقدمون عليه بعد سقوط النظام هو تقسيمه إلى إمارات إسلامية ومشيخات, وهو الملاذ الآمن لتنظيم القاعدة الذي أجمع عليه أولئك المحللون السياسيون والمختصون في شأن هذا التنظيم واستراتيجياته. قال الشاعر: ( إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون! أيخون إنسان بلاده؟! إن خان, معنى أن يكون, فكيف يمكن أن يكون؟!) ( بدر شاكر السياب) [email protected]