بالأمس القريب أعلنت قطر انسحابها من المبادرة الخليجية الهادفة إلى حل الأزمة السياسية الراهنة في بلادنا وحظي هذا القرار بترحيب من طرفي الصراع في السلطة والمعارضة، فالسلطة وعلى لسان قيادات في الحزب الحاكم رحبت بذلك واعتبرت أن قطر هي من تقف وراء تأجيج الأوضاع ودعم قوى المعارضة والمعارضة، ومعها شباب الساحات رحبوا بانسحاب قطر واعتبروا أن ذلك خطوة إيجابية من شأنها ممارسة المزيد من الضغوطات على السلطة من أجل تنفيذ المطالب التي يطالبون بها وفي ظل هذا الترحيب المتفق عليه شكلاً والمختلف مضموناً ينبغي هنا التأكيد على حقيقة غابت عن الطرفين وهي أن قطر التي تربطنا بها روابط أخوية قيادة وحكومة وشعباً استغلت قيادتها الظروف التي تمر بها بلادنا فجعلت من نفسها وصية على اليمن واليمنيين لمجرد أننا وضعنا فيها الثقة إبان أحداث صعدة وتجاوبنا مع جهود الوساطة التي قادتها لوقف الحرب والإسهام في إعادة إعمار ما هدمته الحروب التي شهدتها صعدة, هذه الثقة المطلقة يبدو أنها دفعت بالقيادة القطرية إلى استخدام أساليب اعتبرها من وجهة نظري وليسمح لي الأشقاء في قطر بأن أسميها الملتوية من أجل إدخال اليمن تحت نظام الوصاية القطرية معتمدة في ذلك على ثرائها الهائل وكأنها قادرة على شراء أي شيء, ولا أعلم ماهو الذنب الذي ارتكبناه في اليمن حتى تعاملنا القيادة والحكومة القطرية بهذا الأسلوب, كنا نأمل أن يكون دور الأشقاء في قطر فيه من الجوانب الإيجابية الشيء الكثير ولايعني ذلك أننا كنا نريد منها أن تكون في صف السلطة وضد الاحتجاجات الشبابية ولكننا كنا نريدها أن تكون بمثابة شوكة الميزان تنظر إلى الوقائع بإنصاف ومن ثم تبحر في الأعماق باحثة عن حلول ومخارج لهذه الأزمة, كلنا كنا نعول على الموقف القطري لإحداث انفراج في الأزمة السياسية والتوصل إلى حلول ترضي كل الأطراف, ولكنهم خيبوا الظن بهم وتحولوا إلى طرف نزاع وجعلوا من قناة الجزيرة بمثابة المطبخ الإعلامي الذي يتم فيه الإعداد والتحضير لانفجار الوضع وخروجه عن السيطرة واندلاع موجة عاتية من العنف والصراعات والاقتتالات وليت الأمر اقتصر على الدعم الإعلامي فحسب ,بل وصل الأمر إلى حد الدعم المادي بحسب العديد من المراقبين الذين ذهبوا إلى أن قطر باتت اليوم تمول مايحصل من اضطرابات في ليبيا واليمنوسوريا بحسب المهام المسندة إليها من قبل القوى التآمرية الهادفة إلى تشكيل خارطة سياسية وجغرافية للشرق الأوسط الجديد والذي اتضح أن قطر هي الحاضنة لهذا المشروع بتفويض من الإدارة الأمريكية وقوى الاستعمار والاستكبار العالمية , ولعل من المضحك جداً أن تعلن قطر أنها انسحبت من المبادرة الخليجية لأنها أصلاً لم توافق عليها ولولا الإجماع الخليجي لما تم طرح هذه المبادرة، فالقيادة والحكومة القطرية أدركت أن المبادرة الخليجية بمضامينها التوافقية قادرة على حل الأزمة اليمنية والخروج منها بأقل الخسائر الممكنة وظلت متحفظة على هذه المبادرة وهو الأمر الذي عكسته قناة الجزيرة في كثير من تغطياتها الإخبارية وبرامجها الحوارية وعبر عنه أيضاً العديد من الكتاب والإعلاميين والأكاديميين والمحللين السياسيين الممولين من الخزانة العامة القطرية, فمتى وافقت قطر على المبادرة الخليجية حتى تنسحب منها ,كلنا نعرف أن إعلان انسحابها في هذا التوقيت يعتبر وسيلة من وسائل التحريض على إذكاء الفتنة في اليمن واستغلال حماس الشباب في الساحات والدفع بهم إلى المحرقة من أجل توفير مادة إعلامية (دسمة) تساعدها على إيجاد دعم دولي مناهض للسلطة وللرئيس , إنها تريد أن توهم الجميع أنها انسحبت من المبادرة لأنها ليست من مصلحة الشباب والمعارضة وتدفع في الوقت ذاته بالأوضاع نحو الانفجار ليقال أن انسحابها من المبادرة الخليجية هو ماقاد الأوضاع على الانفجار. إنها فتنة خطيرة وتداعياتها أكثر خطورة منها ,الجميع يبذلون المساعي الخيرة لاحتواء الأوضاع وهؤلاء يسلكون مسلكاً مغايراً تماماً ولا أعلم ماهي مصلحة قطر من تدمير اليمن والدفع بالأوضاع نحو الفوضى الدموية والصراعات والتخريب , إنهم يغذون الفتنة في يمن الإيمان والحكمة , إنهم يحرضون على الحرب والدمار والخراب وهذه أعمال منكرة على الأشقاء في قطر على اعتبار أن مواقفهم في السابق كانت إيجابية ومحمودة , لقد سقطوا في الفتنة وسقط معهم أولئك الذين رفضوا الانصياع لصوت العقل والحكمة وأحجموا عن الحوار الوطني البناء, ووقفوا ضد الوساطات والمبادرات الهادفة إلى حل الأزمة على قاعدة (لاضرر ولاضرار) ومن منظور المصلحة الوطنية والتي كان آخرها المبادرة الخليجية, المبادرة التي جاءت من منطلق الحرص الخليجي على أمن واستقرار اليمن , المبادرة التي خرج غالبية أبناء الشعب اليمني لتأييدها وحث أطراف الأزمة السياسية على القبول بها والعمل على تنفيذ مضامينها دون أي مماطلة أو تسويف ,المبادرة التي لم ترق لقطر وقوى التحريض القبلي والسياسي في المعارضة فراحوا يحرضون على أنها تخدم السلطة والرئيس على وجه الخصوص وبدلاً من قيامهم بالإعلان عن رفض هذه المبادرة أناطوا هذه المهمة لشباب الساحات وفضلوا استخدام سياسة التكتيك فأظهروا للأشقاء الخليجيين موافقتهم مع تحفظات عديدة وكانوا على اعتقاد أن الرئيس لن يوافق عليها, ولكن اعتقادهم كان خاطئاً وأعلن الرئيس قبوله بالمبادرة وأبدى استعداده عليها فور الانتهاء من الترتيبات اللازمة لذلك وفي هذه الأثناء نتفاجأ بتصريحات لقياديين في المعارضة ضد المبادرة الخليجية ويتحدثون عن تعديلات أجريت عليها بعد أن رفض الرئيس التوقيع عليها بصيغتها السابقة على حد تعبيرهم وعلى الرغم من التأكيدات الخليجية التي وردت على لسان الدكتور عبداللطيف الزياني الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي والتي أشار فيها إلى أن المبادرة لم يعتريها إي إضافات أو تعديلات باستثناء إضافة أسماء من سيوقعون على المبادرة من الطرفين حيث سيوقع الرئيس أولاً بصفته رئيساً للمؤتمر الشعبي العام ويوقع في نهاية المطاف كرئيس للجمهورية ولاأعتقد أن ذلك يعيب في المبادرة الخليجية مطلقاً. ولعل مايؤكد عدم مصداقية هذه القوى في قبولها بالمبادرة الخليجية أن العديد من القيادات التابعة لها ذهب إلى اعتبار المبادرة الخليجية مؤامرة على ثورة الشباب على حد تعبيرهم واتهمت الشقيقة السعودية بالوقوف وراء دعم الرئيس والنظام الحاكم في اليمن وهي اتهامات لا أستبعد أنه تم تسريبها من قطر بهدف خلخلة وحدة الصف الخليجي والدفع بالعلاقات الخليجية اليمنية نحو التأزيم وخصوصاً بعد أن لعبت قطر دوراً بارزاً في الموافقة على طلب انضمام الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون الخليجي, متجاوزة طلبات مماثلة سبق وأن تقدمت بها بلادنا والعراق للانضمام بحكم الموقع الجغرافي والعمق الاستراتيجي لليمن والعراق ودول مجلس التعاون الخليجي, وإنني هنا أشفق على الحالة التي وصل إليها الأشقاء في قيادة وحكومة قطر من حب للزعامة والريادة العربية ولعب دور صانع الألعاب في الساحة العربية حتى ولو كان ذلك على حساب أرواح ودماء وثروات وممتلكات ومنجزات إخوة لهم سواءً في اليمن أو في ليبيا أو في سوريا. وأشفق أيضاً على بعض الدعاة والعلماء والأكاديميين والمفكرين والسياسيين والأدباء والمثقفين ورجال الإعلام والصحافة الذين وقعوا في مصيدة التسلل جراء قيامهم بالترويج للفتنة والتحريض على العنف والفوضى وتدمير وتخريب بعض الأقطار العربية بدعوى الخلاص من الأنظمة التي تحكمها, أشفق عليهم وقد تحولوا إلى أبواق متآمرة تقوم بالاسهام في تنفيذ مخططات تآمرية للنيل من الوحدة العربية والتضامن العربي وإدخال المنطقة العربية في حالة من الفوضى الخلاقة التي تمثل الوضع الآمن لأعداء الأمة العربية والإسلامية لتمرير وإنفاذ مخططاتهم. فأين عقول هؤلاء النخب؟! ألا يدركون أن لكل دولة خصوصية وسيادة ولايجوز بأي حال من الأحوال التدخل في شؤونها الداخلية والنيل من سيادتها والقفز على خصوصيتها. إننا في اليمن ننشد التغيير والرئيس ذاته أعلن عن عزمه ترك السلطة وماموافقته على المبادرة الخليجية إلا خير تأكيد على ذلك وهي التي نصت على تنحيه عن السلطة خلال 30 يوماً من بدء تنفيذ المبادرة, نقول ذلك وليس لنا علاقة بالمشككين الذين بلغت بهم الحماقة والحقد الشخصي إلى حد ادعاء علم الغيب والتأكيد على أن الرئيس سيتراجع عن قرار التنحي وسيبحث له عن مبررات بعد انتهاء الثلاثين يوماً وهو كلام مردود على أصحابه, فمن غير المعقول أن يتم التحاور مع أصحاب هذه العقليات التآمرية والتخوينية, قلت لأحدهم: يا أخي وقّعوا على المبادرة وابدأوا بالتنفيذ وبعد مضي الفترة المحددة لتقديم الرئيس استقالته ستتضح الرؤية للجميع وقلت له: بأنني أول من سيخرج للمطالبة برحيل الرئيس ولن أعود إلى منزلي حتى يتحقق ذلك وأقسمت له على ذلك, ولكنه وصفني«بالمراوغ» وحينها أدركت أن هؤلاء تعرضوا لعمليات تحريض مكثفة أوصلتهم إلى حالة من العدائية تجاه الرئيس والنظام بأكمله, فسقطوا في الفتنة وهاهم اليوم يخططون لتفجيرها دون أن يستشعروا فداحة مايسعون إلى القيام به, نسأل الله لهم ولنا الهداية لما يحبه ويرضاه ولما يجنب يمننا الحبيب الفتن والأزمات, إنه سميع مجيب الدعوات. [email protected]