إن محبة الإنسان لأرضه وبلده خصلةٌ جبليَّة، مركوزة في الفِطَر السوية، ومقرَّرة في الشريعة الإسلاميَّة، وَطَنُ الإنسان هو مَسقَط رأسه الذي وُلِدَ فيه، وترَعرَعَ من خيره وخيراته، وعاش تحت ظلِّه وسَمائه، فيه مواقف الطُّفولة وأخبار الصِّبا، وأنباء الحياة وحوادث الدهر. قال تعالى: “وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ” هذه المحبة والتعلّق بالدِّيار، وجَدَها المصطفى المختار، يوم أن تآمر عليه رُؤوس الكفر ليسجنوه أو يقتُلوه أو يُخرِجوه، فخرَج فارا مهاجِرا، فلمَّا وصَل أطرافَ مكة خارجًا منها، التفَتَ إلى أرضه ووطنه فجاشَتْ نفسه وقال: “والله، إنَّك لأحبُّ البِقاع إليَّ، ولولا أنَّ قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيرَكِ”. وهذا البلد «اليمن» واجب الحفاظ على أمْنه وإيمانه، وسلامته وإسلامه، من كل مخرب ومغرب، وبالأخص في مثل هذه الظروف العَصِيبة، والتقلُّبات الأمنيَّة، فالحفاظ على أمن الوطن واستقراره من طُوفان الفَوضَى وأعاصير التخريب لهو من أولى المهمات، في هذه الأزمات.خصوصا وأن الأمن والأمان عنصران أساسيان في الحياة، ففي وجود الأمن والأمان تُحفظ النفوس وتُصان الاعراض وتأمن الطرق ويسود العمران وتنمو الثروات وتتوفر الخيرات ويسود الشرع وتعمر المساجد ويكثر الحرث والنسل ويفشي المعروف ويحصل الاستقرار النفسي ويزداد الولاء للوطن لأنه عندما يشعر الإنسان بأمنه يدافع عن وطنه لأنه بيته الكبير الذي يعيش فيه ، ولو خيّر الإنسان لاشترى الأمان بكل ما يملك من أموال. اما إذا ضاع الأمن والأمان فإن الإنسان يصبح خائفاً قلقاً متوتراً حذراً ويقل انتاجه ويتوقف تفكيره وعطاؤه وابداعه ثم ينعكس ذلك على المجتمع فتدمر الطاقات وتشتت الجهود وتهدر المكتسبات فيتأخر الاصلاح ويفتح باب الشر وتتلف الممتلكات الخاصة والعامة وتروع النفوس الآمنة وتظهر الفتن وتسود شريعة الغاب ، وتعم الفوضى وتُسلب الأموال وتُنتهك الاعراض ويفسد المعاش ، وما شاهدناه وسمعناه في الاحداث الأخيرة في بعض البلدان المجاورة من انفلات في الأمن لعدة أيام وما سببه من احداث مؤسفة وترويع للأنفس وضياع لثروات الوطن والأفراد وضياع الحقوق والمكتسبات العامة والخاصة لهو شيء محزن جداً. بالأمن والأمان تعمر المساجد وتصفو العبادة، ويُنشَر الخير وتُحقَن الدماء، وتُصان الأعراض وتُحفَظ الأموال، وتتقدَّم المجتمعات وتتطوَّر الصناعات. الأمن في البلاد مع العافية والرِّزق هو الملك الحقيقي، والسعادة المنشودة؛ قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: “مَن أصبح منكُم آمنًا في سِربِه، مُعافًى في بدنه، عنده قُوتُ يومه، فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بِحَذافِيرها”. وإن إطلاق “جمعة الأمان” على هذا اليوم بالتأكيد يعد تعبيراً عن دعوة أبناء الشعب لتحقيق الأمن والأستقرار وتجنيب اليمن الفتن ، وخلق الاصطفاف الوطني لمواجهة مهام الإصلاح والبناء والتنمية. وتأكيدا أن تلك الملايين لن تسمح لأي كان أن يزور إرادتها أو يعبث بأمن البلد ، ولن تترك الفرصة لمرور أو تمرير أي مشروع انقلابي مهما كان الثمن ومهما كانت التضحية. فاحذروا ايها اليمنييون في جمعة الأمان ، احذروا مُفارقة الجماعة، فالجماعة منَعة، والفُرقة مضيَعة، الجماعة لُب الصواب، والفُرقة أُس الخراب، والفُرقة بادرة العِثار، وباعثة النذار، تحيل العمار خرابًا، والأمن سرابًا، وهي العاقرةُ والحالقةُ، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من فارقَ الجماعةَ شبرًا فمات ماتَ ميتةً جاهلية”. أخرجه البخاري،واحذروا تعكير جو الأمن والاستقرار واحذروا أصحاب الفِكر المنحرف، دعاةَ الفتنة، وأذنابَ الأعداء، ورؤوس الشر الذين امتلأَت قلوبهم حقدًا وحسدًا على يمن الأيمان والحكمة، فسعوا إلى إشاعة الفوضى، والنَّيْل من كرامة بلادنا وأمنها وسيادتها ووحدتها، عبر الدعوة إلى اقتحام المنشآت وحرقها وقتل الأبرياء. وإشاعة ثقافة الحقد والكراهية والمناطقية بين ابناء الوطن الواحد لا لشيء سوى لتحقيق مصالحهم الشخصية فقط على حساب الدين والوطن. وأنا على يقين أن شعبُ اليمن على وعيٍ بأهداف تلك الدعوات المغرِضة، وعلى إدراك لمآلاتها الخطيرة، وعواقبها السيئة، وعلى علم بمن يقف وراءها من أصحاب الأفكار الضالة والرجعية، والذين يريدون تمرير مخطَّطاتهم الخبيثة ونواياهم القذِرة في يمن الإيمان. فشعبُ اليمن يرفض الفوضى ويرفُض التدخل في شؤونه من أية جهةٍ كانت، ويقِفُ مع ولاة أمره ضد كل حاقدٍ وحاسد، وعابثٍ وفاسد، ومارقٍ مُفارِق، وخائنٍ منافِق، وضد كل من يريد زعزعَة الأمن في بلده، وزرع الفتنة في أرضه، ونمُدُّ أيدينا لولاة أمرنا، ونضع أيدينا في أيديهم، ونقول: نحن على العهد والوفاء، والولاء والانتماء، سِلمًا لمن سالمَكم، وحربًا على من حاربكم. في الأخير.. ان هذا الوطنُ «اليمن» سلاحُه دماؤنا، ودرعُه أرواحنا، وحصنه أجسادنا.