يبدو أن الشعوب العربية وحكامها تزرع اليوم حصاد تخاذلها تجاه قضايا الأمة المحورية خلال العقود القليلة الماضية، فالأمة التي صمتت على تشريد الشعب الفلسطيني دهراً طويلاً وقايضت على حريته وباعت واشترت في دمائه طويلاً هي نفسها التي صمتت وغضت الطرف عن التحالف الغربي ضد الشعب العراقي وكل مقدراته ومكتسباته الوطنية والقومية في 1990و2003،وهي نفسها التي تخاذلت عن نصرة الشعب اللبناني المدافع عن أرضه وكرامته أمام الصلف الصهيوني المتكبر الذي لم تكسر شوكته سوى المقاومة اللبنانية في صيف2006 . واليوم ها نحن نحصد نتائج هذا التخاذل الذي يأكل اليوم الأخضر واليابس، هانحن اليوم نأكل بعضنا بعضاً حكاماً ومحكومين، وبمخططات غربية أيضاً، هو حصاد ضياع مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف الذي نادي بنصرة المظلوم ونصرة الدين والحفاظ على حرمة الدين وأراضي المسلمين التي أضعناها خوفاً على كراسي السلطة وتزلفاً للقوى الكبرى التي باتت هي المسيرة لشؤون المسلمين والموجهة لهم، أضعنا سلطان الدين فضاعت هيبتنا كمسلمين، وبات المسلم أخطر عباد الله أمام شعوب المعمورة ..إن ما يحدث اليوم في دولنا العربية أشبه ما يكون بتصفية لذنوب هذه الأمة التي تخاذلت فضعفت فهانت أمام خصومها المتربصين بها لتفريق جمعها ونهب ثرواتها وخيراتها الكثيرة التي جعلتها مطمعاً أمام الدول الكبرى،التي عملت بكل السبل على تفريق شملها وبث الفرقة بين أبنائها لتوطيد وجودها وبقائها في المنطقة العربية، تحت مغريات ومسميات متعددة، منها حقوق الإنسان وحريات الرأي والتعبير وأخيراً الثورات القريبة في حقيقتها إلى النعرات الداخلية التي نشاهدها اليوم تزلزل ما تبقى من شمل أبناء هذه الأمة المغلوبة على أمرها. والمثير للغرابة تمادي الأطياف السياسية الوطنية في تنفيذ المخططات الخارجية لبعض القوى الكبرى رغم معرفتها بالأهداف التدميرية لهذه القوى التي استغلت رغبة الشعوب التواقة للحرية في تصعيد الأزمات من خلال توجيه الإعلام والمنظمات الحقوقية التي تم تفريخها في هذه الدول بالعشرات لتقود حمى التصعيد، من خلال المسيرات والإعتصامات وتأجيج الشارع ومن ثم المواجهات المسلحة كخيار بديل للتصعيد وجر الدول إلى أتون حروب داخلية، يُنهك من خلالها الاقتصاد وتشل الحركة لكسر ما بقي من إرادة وكرامة لهذه الشعوب الثائرة. إن جميع القوى الوطنية على الساحة اليمنية مطالبة اليوم بالعودة إلى العقل وتغليب مصلحة الوطن الذي يعيش انهياراً حقيقياً في كل قطاعاته، وتفويت الفرصة على الطامعين والساعين لتفتيت اليمن لصالح أطراف وقوى داخلية وخارجية، قبل انفلات الوضع بشكل لا يمكن معه العودة إلى الخلف، فما يشاع عن سقوط النظام بخروج الرئيس للعلاج في السعودية أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن النظام القائم ليس ذلك النظام الهش الذي كان يراهن عليه الكثيرون رغم ما به من سلبيات لا ينكرها أحد، بل أنه أثبت صلابة وقوة تجعل المشترك وأعوانه يعيدون التفكير في مسألة تغليب الحوار لحل الأزمة الحالية بالطرق الدستورية القانونية، بدل التلويح بالتصعيد ومواصلة مسيرة تفكيك الوطن التي لن نجني منها سوى الدمار والخراب وتقسيم الشعب إلى طوائف متعددة. ومن الأشياء التي تدعو إلى التأمل التضارب في المواقف، فبالأمس كان الشباب في الساحات والمعارضة يخطبون ودَ أمريكا ويستجدون موقفها في حل الأزمة اليمنية كأنها مرجعيتهم الأخيرة واليوم يعلنون رفض أي تدخل أمريكي، عندما شعروا أن أمريكا تدعم الانتقال السلمي للسلطة وتؤيد الاحتكام للدستور اليمني الذي عدته من أقوى الدساتير في المنطقة، بعد أن شعرت هي أن الرئيس علي عبدالله صالح رغم ابتعاده عن الساحة الداخلية قرابة ثلاثة أسابيع لا يزال هو الطرف الأقوى والأجدر على حل الأزمة القائمة.