رغم كل مساوىء الأزمة الراهنة التي تعصف بالبلد وتلقي بأحمالها الثقيلة على كواهل الناس, وقد فعلت فعلها بالكثيرين منهم ولم يعد أحد يسمع شكواهم ولا أنينهم في زحمة الهموم والمشاغل, أقول رغم كل المساوىء والمآسي فثمة فوائد من الأزمة, ويكفي أنها كشفت عن معادن الناس وأظهرت الكثير من الحقائق التي كانت خافية علينا جميعاً.. يكفي أن هذه الأزمة استطاعت إسقاط الأقنعة الزائفة التي طالما تستر بها البعض لعقود طويلة, وطالما فُتن الناس بأصحاب الأقنعة ظناً منهم بأن الجواهر كالمظاهر عند أولئك المتسترين.. سقطت أقنعة الوطنية, وسقطت أقنعة الوفاء والإخلاص, وسقطت أقنعة التقوى والزهد وسقطت اللحى الزائفة وإن ظلت على وجوه أصحابها.. لولا الأزمة الراهنة كم كنا سنحتاج من الوقت لاكتشاف الحقائق ومعرفة الجواهر من المظاهر, وإدراك خبايا النفوس عند أكثر من ظن بهم الناس خيراً كما كان الناس سيظلون على ظنونهم وربما قناعاتهم بأن أولئك هم أرباب التقوى والوفاء والوطنية وعشاق أوطان ودعاة مصلحة عامة؟ لولا هذه الأزمة لكانت الخديعة أشد وأنكى حين تأتي في زمن قادم ونكتشف حجم الزيف الذي يتستر خلف اللحى وخلف الشعارات وخلف دموع البكاء في صلاة رمضان الليلية وغيرها من الصلوات التي سمعناهم ينتحبون فيها, فإذا نحيبهم ليس سوى الكذب والزيف والتمثيل والخداع لأغراض كشفتها هذه الأزمة الراهنة وعرفنا سر البكاء المبالغ فيه. أكثر البكائين الذين عرفتهم في ليالي رمضان لأعوام خلت كشف خلال هذه الأزمة عن قبح لايختلف عليه اثنان ولايستطيع أن يدافع عنه أحد حتى الذين ينتمون لحزبه فيكون جوابهم الصمت حين يسألون عن تصرفات ذلك الرجل, وغيره مثله وما أكثر الذين فضحتهم الأزمة فلم يستطيعوا التفريق بين الدين والسياسة ولا بين مصالح الحزب ومصالح وطن وشعب.. وهكذا تمضي الأزمة رغم كرهنا لها ولأسبابها ولمسببيها ورغم حزننا على الذين سحقتهم رحاها وعلى الذين لايجدون قوت يومهم ودواء آلامهم نتيجة لما آلت إليه الأوضاع, لكننا سعداء بما اتضح لنا فيها ومن خلالها من حقائق عن الكثير من الناس كنا نظن وكان ظننا هذا كله إثماً لانقصده ولم نتعمده, لكننا خُدعنا بالمظاهر وبمعسول الكلام وبالكثير مما يجيد الزائفون تصنّعه أمام الناس ليلتفت كل واحد منا حوله ليرى كم كشفت الأزمة من أقنعة زائفة كانت على وجوه البعض, ولنفكر كم هم الذين كنا نعدهم أصحاباً في زمن الرخاء وكم هم الذين كنا نحسبهم من أولياء الله الصالحين فاكتشفنا بأنهم شياطين أنكد من شياطين الجن وأشقى؟ ليُحصي كل واحد منا عدد الذين كانوا يزايدون على هذا الوطن باسم الوطنية وكم ارتكب أولئك من جرائم باسم الإخلاص لله وللوطن ثم أن هذه الأزمة صححت للجميع كل المفاهيم المتعلقة بذلك فإذا بنا نرى كل تصرفاتهم جرائم بشعة بحق الوطن والناس.. نعم هكذا أطلت علينا الحقائق تباعاً لتكشف ماخفي عنا, وتفضح من خدعونا لأعوام طويلة ومديدة, فشكراً لك أيتها الأزمة وإن كنا نكرهك ونمقت أصحابك إلى حد العداء.