إن الدراسة الموضوعية لدور القبيلة اليمنية منذ فجر التاريخ تكشف الأدوار الإنسانية والحضارية التي قامت بها القبيلة اليمنية، ومن خلال دراستي لدور القبيلة اليمنية قبل الإسلام وبعده لم أجد أن القبيلة بشكلها الكلي قد وقفت ضد الدولة، بل كانت القبيلة القوة الأساسية لمساندة الدولة؛ كون الدولة تمثل الإرادة الكلية للقبائل، وقدّم التاريخ القديم والمعاصر نماذج لمن يحاول أن يخرج عن الدولة باسم القبيلة، حيث كان البعض يحاول أن يفرض نفسه وصياً على القبيلة، وكانت القبيلة تقبل بذلك الادعاء غير السليم مادام الشيخ في إطار الدولة ولم يخرج عليها أو يتحدى الثوابت الوطنية، وما أن يشعر بحالة الغرور والنزعة الانقلابية على الدولة حتى يهب أفراد القبيلة لعقد مؤتمر عام يضم العقلاء والوجهاء والأعيان، ينتج عنه إعلان التزام القبيلة بالدولة ورفض الخروج عليها والتبرؤ ممن يحاول التمرد على الثوابت الوطنية. إن القبيلة اليمنية في مختلف المراحل كانت اللبنة الأولى في صرح الدولة الحضارية، وأثبتت القبيلة اليمنية أنها مع الإرادة الكلية التي تنشد السلام والخير والتعايش السلمي بين كافة مكونات الدولة، وكانت القبيلة ملاذ الدولة عندما تدلهم النكبات، أو يظهر التآمر سواء الداخلي أو الخارجي على الدولة، حيث تتداعى القبائل لنصرة الدولة؛ باعتبار سيادة الدولة وسلطانها يمثل العقل الجمعي الذي يضمن الأمن والاستقرار والوحدة ويعزز السلم الاجتماعي ويصون سيادة اليمنيين كافة على ترابهم الوطني ويحمي قدسية التراب اليمني. إذا كنت أقول ذلك نظرياً من خلال دراسة التاريخ القديم فإن التاريخ المعاصر يعطي نموذجاً يؤكد موضوعية ما أقوله، فقد تعرضت البلاد إلى أزمة سياسية افتعلتها قوى سياسية فشلت في الحصول على ثقة الشعب، فحاولت أن تفرض وصايتها على الشعب بقوة الحديد والنار، فلم يقبل الشعب الذل ولم يذعن لتلك القوى الانتهازية، فتداعت قبائل اليمن وعقدت مؤتمرها العام يوم الأحد الماضي في العاصمة صنعاء لتعلن رفضها الخروج عن الدولة والتمرد على الدستور والقانون، وقالت: لا للتخريب والتدمير ونعم للشرعية الدستورية، ورفضت النزعات الشخصية التي تحاول تمزيق البلاد والعباد، وأكدت أهمية الحوار باعتباره أسلوباً حضارياً إنسانياً يمثل جوهر الإسلام الحنيف، وكان ذلك الفعل الوطني والديني والإنساني أكبر دليل على أن القبيلة سند الدولة؛ لأن الدولة هي الإرادة الكلية، فهل يدرك العقلاء في اللقاء المشترك هذه المعاني والدلالات الحضارية والدينية والإنسانية؟ نأمل ذلك بإذن الله.