هناك جهود عصرية تسعى في العالم إلى إحلال ثقافة متوازنة وعقلانية محل واقع مضطرب وغير طبيعي، لأن نخب المجتمع فيه قبل غيرهم لم يستطيعوا التجرد من المكونات التقليدية لشخصياتهم ولذلك فهم يمعنون في ممارسة الإقصاء وتهميش المرأة وجعلها رقماً استثنائياً لا وجود له حقيقي في عمق المعادلة بأوجهها المتنوعة السياسية والحقوقية والثقافية وغيرها. لكن نحن نريد لثقافة المساواة والعدالة الاجتماعية أن يكون محركها فكراً جاداً وخطوات عملية تبتعد عن الكلام غير المتبوع بالأفعال، أو ممارسة التشويش واتباع سياسة التضليل والتغليف التي تظهر خلاف الحقيقة.. بمعنى أن المثقفين والسياسيين من أجل حماية مراكز “الذكورية” قد يلجأون إلى الخطاب المضلل الذي يقول: إن المرأة ينبغي أن تنال حقوقها كاملة ثم يبقى الأمر عند مجرد الطموحات بدون أن يتم المباشرة في الإشراك الفعلي للمرأة في إدارة الحياة وتسيير شئونها، ولذلك فإن حقوق المرأة بوصفها قضية معاصرة، قد تموت أو تذبل أو تتميع إن صح التعبير والذي يصنع بها ذلك هو التضليل بالاقتصار على بعض النماذج النسوية لجعلها مجرد صورة تعرض لتسقط الحجة وتشير إلى أن المرأة قد دخلت نطاق التمكين السياسي والاجتماعي بعد سنين من الإقصاء والتهميش. ودعونا نقل: إن المرأة برغم سيادة “الذكورية” في المجتمع العربي ككل، تواصل طريقها وتحقق بعض النجاح لكن تكمن الخطورة في أن تتسرب ذرات غازات “الذكورية” وتطغى فتصبح المرأة نفسها هي من يكرس “الذكورية” قبل الرجل، وهي من تمارس سلوكيات “الفحولة” والسبب في حدوث ذلك هو أن المرأة قد تخطئ الطريق في مهاجمة ثقافة “الذكورية” والانتصار لحقوقها فتظن أن الطريق هو أن تماثل الرجل في ثقافة الاستعلاء والتهميش والجبروت سواء في ما ينتج عنها من فكر أو في الممارسة السياسية والاجتماعية وغيرها.. وهذا الكلام ليس تخميناً ولا محض خيال، بل إنه حقيقة واقعة وتجارب حية نشاهد فيها المرأة غارقة في خطاب ناري أو ممارسة مستعلية. إن ما يدهش المتأمل هو أن يكون وجود بعض النماذج النسوية في مراكز صنع القرار وجوداً قلقاً متصادماً مع الرسالة التي ينبغي ان تؤديها المرأة، ولكي أكون واضحاً أقول : إن على المرأة في واقع اليوم ألا تمارس فعل الهيمنة الذي يفقدها الصلة بحيثيات الواقع أو يعقد علاقتها بالرجل ويؤزمها.. وهذا تنبيه إلى خطورة أن تسجن المرأة نفسها في برج عاجي من الانطواء حول الذات وإقصاء الرجل عن المشاركة في عرض الرؤى والتصورات وتجعل وسيلتها في تمرير هذه الثقافة هو إدعاء.. استفحال “الذكورية” فتصبح بذلك هي القطب الآخر المكرس لثقافة التفرد وعدم التعاون والشراكة، وهذا من شأنه أن يلفت الرجل إلى ضرورة تقرير حمايته لنسق “الذكورية” وخطورة أن تدخل المرأة حلبة الفعل السياسي والاجتماعي والإداري لأنها تمثل تهديداً لمركزه. كل ما أرجوه أن تكون ثقافة الاعتدال والاتزان هي السائدة بين قطبي الحياة الذكر والأنثى ومثلما أن على الرجل أن يفسح لحياة المساواة في الحقوق بأن على المرأة أن تتنبه لخطورة لبس عباءة “الذكورية” فتمارس ما يمارسه الرجل وتفسد حركتها الإنسانية المعاصرة.