لدينا في المشهد السياسي اليمني نموذجان سياسيان متمركزان يتضافر وجودهما لإفراز أزمات تعيق حركة المجتمع نحو التطور والتقدم, الأول نموذج الرجل “الفحل السياسي” والثاني نموذج المرأة “الفحلة السياسية”. “الرجل السياسي” اليوم يستأثر بالنشاط والعمل والقرار السياسي, وأمام ضغوط الحركة النسوية المعاصرة قد يبدي استعداده وتحمسه للقبول بالمشاركة السياسية للمرأة, لكنه في قرارة نفسه وفي عمقه الثقافي يمتعض من طموحات المرأة ويجتهد في خلق الذرائع التي يسوِّغ بها ضرورة أن يكون “الرجل” هو قطب السياسة الأوحد, وضرورة أن تكتفي المرأة بما وصلت إليه في حياة اليوم. فنحن إذن أمام ذكورة متعالية وأنانية متغطرسة تكبح إرادة المرأة وطاقاتها الإبداعية.. فالرجل يريد “أنثى معاصرة” بحسب هواه, لا بحسب مقتضيات الاستخلاف والبناء الحضاري الذي يقوم على أساس العدل في توزيع الواجبات الحضارية بين الذكر والأنثى. هذا معروف وملاحظ, لكن ما هو بعيد عن الأنظار؛ وقوع بعض النخب النسوية في حبائل هذه الثقافة الذكورية, وهؤلاء النسوة هن ما أطلقت عليهن “نموذج الفحلة السياسية”, ووصفي لهذه المرأة السياسية بالفحلة ليس سُخريةً؛ فأنا لا أعني به استرجال المرأة السياسية في المظهر أو التصرفات, وإنما أعني تعامل بعض النخب النسوية مع بعضها أو مع جمهور النساء بأسلوب التعالي والأنانية والتهميش والإقصاء الذي يتعامل به الرجل/ الفحل السياسي مع المرأة, وبذلك أصبحنا أمام فحل جديد أو فحل من نوع آخر لا يقل تمركزًا عن الفحل المعروف. إن “الفحلة السياسية” نموذج مغاير لنموذج نسوي كبير موجود في ساحة المجتمع المدني وفي الساحة اليمنية بشكل عام, فهذا النموذج الكبير يكافح وينافس على الصعيد السياسي والاجتماعي والثقافي, ويُظهر قدرات المرأة وفاعليتها, ويكشف أن المرأة اليمنية اليوم رقم صعب في معادلة التحول الوطني والنهوض المجتمعي, وهذا النموذج النسوي الكبير, إلى ذلك, يعمل بصمت وهدوء وله حضور في كل المحافظات. أما نموذج “الفحلة السياسية” الذي نحن بصدد الحديث عنه؛ فإنه نموذج يخيّب ظن جمهور النساء؛ لأنه أخطأ الغاية التي كان ينبغي أن يصل إليها, فبعض النسوة كافحن من أجل تحقيق وجود سياسي أو ثقافي منافس وكان خطابهن يحمل هموم المرأة اليمنية ويسعى إلى الانتصار للأنوثة وإقدارها على النهوض, وإعادة الاعتبار لحقوقها الاجتماعية والتعليمية والصحية والثقافية والسياسية, وحين وصلت هؤلاء النسوة إلى مستوى عالٍ تناسين ذلك الهدف, بل وأشحن وجوههن عن جماهير النساء, منشغلات بالمكاسب الذاتية باسم “حقوق المرأة”, ومنشغلات بالتصارع مع الرجل/ الفحل السياسي على نسب التمثيل وعلى المناصب من أجل الذات المغرورة وليس من أجل الجماعة المسحوقة. هذه حقيقة لابد من أن تعقلها الحركة النسوية وتناقشها بموضوعية لتقويم مسار المرأة وحضورها في دائرة الفعل السياسي والثقافي والاجتماعي, فإذا صنعتْ ذلك فإنها ستكشف عن أسباب الفشل في إحراز التقدم المنشود في النضال من أجل تمكين المرأة وإنهاض واقعها, وفي هذا الجانب ينبغي أن تثير النخب النسوية الأسئلة التالية: - لماذا علاقة المرأة السياسية بأختها السياسية كثيرًا ما تكون علاقة متأزمة؟ - لماذا تستثقل المرأة السياسية ظهور المرأة السياسية الأخرى حتى وإن لم يكن هناك اختلاف في الأفكار والقناعات؟ ولماذا تكره المرأة السياسية – مثلاً – أن تحل محلها في المنصب النسوي امرأة أخرى عملاً بمبدأ التدوير الوظيفي؟ أليس في هذا الرفض أنانية وتمركز أنثوي يوازيان أنانية الرجل/ الفحل السياسي وتمركزه, وهو ما يكون سببًا في إعاقة المرأة عن إحراز أي تقدم في نيل التمكين الذي لا تزال المرأة تطالب به حتى اليوم؟ - لماذا تصر المرأة السياسية على التعامل مع النساء من خلال المصفاة الأيديولوجية, مثلما هو حال الرجل مع الرجل, ولماذا تخلص المرأة السياسية لنظريات الرجل وتنظيراته أكثر من إخلاصها لحاجات الجمهور النسوي وهمومه؟ - لماذا أصبحت مشكلات المرأة وحاجاتها الأساسية آخر ما يتحدث عنه خطاب السياسيات؟ - على خلاف الرجل, لماذا تفتقر المرأة السياسية اليوم إلى القاعدة الجماهيرية النسوية, بل لماذا يكون المؤيدون للمرأة السياسية أكثرهم من الرجال وليس من النساء؟ هذه جملة أسئلة تحتاج إلى إثارة التفكير الموضوعي من قبل المهتمين بحقوق المرأة, كما تحتاج من كاتب هذه السطور إلى تناولات مفصلة تلقي الضوء على أسباب إخفاقات الحركة النسوية – في اليمن بشكل خاص – والتعرض لعلاقة النخب النسوية بالجمهور النسوي, لكي نصل إلى حقائق واضحة أمام المرأة, لاسيما أنها في هذه الأيام تحتفي بيومها العالمي. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك