شاءت الأقدار أن تقتطع القمامة أجزاءً كبيرة من محافظتنا الحبيبة تعز لتبدو كسمة من سمات المدينة التي نتفاخر ونطلق عليها “العاصمة الثقافية”، وحال المواطن يقول: كأن القمامة هي الشيء الوحيد الذي ينقصه في مدينته الحالمة، وهو الذي يعيش صباحه ومساءه ملاحقاً دبة الغاز، ودبة البترول والديزل ينتظر ساعات وأياماً طويلة لوصول الكهرباء المعتدى عليها من قبل مسلحين والماء وحتى “الطماط” حُرم منه بعد أن أصبح سعره جنونياً.. مشكلة النظافة في تعز مثل “بالوعة المجاري” تسد مكاناً فتنضح في مكان آخر، فعندما أضربَ عمال النظافة عن العمل مطالبين برواتبهم - وهم محقون في ذلك – استنفرت قيادة السلطة المحلية كافة الجهود لتوفيره رغم شحة الإيرادات التي لم يعد يدخل في خزائن صندوق النظافة والتحسين إلا اليسير منها نتيجة الأزمة التي تعصف بالوطن.. الملاحظ إن أول ما يُصرف الراتب لأصحاب الوجوه السمراء ويبدأون بتشمير سواعدهم في رفع القمامة المتكدسة في كل حي وحارة تظهر معضلة أخرى، كقطع غيار سيارات النقل وترحيل القمامة، ويليها الديزل كالحاصل هذه الأيام، ناهيك عن التقطع والنهب لمعدات مشروع النظافة من قبل المسلحين.. هذا هو حال النظافة في تعز، وحال مدينتنا التي تتراكم فيها القمامة مع سبق الإصرار والترصد. المواطن في مدينة تعز صار هو الضحية، وكأنه قد كُتب عليه أن يستنشق الروائح الكريهة بدلاً من أن يتنفّس عبق ما تزخر به المدينة من روائح الجمال. تعز استقبلت عيدها، ولأول مرة وهي ترتدي ثوب القذارة والفوضى، المتجول في أسواقها عليه أن يشق طريقه وسط أكوام من القمامة رائحتها تزكم الأنوف لا ينقصه سوى أن يرتدي كمامات أنفلونزا القمامة حتى لايصبح ضحية الأمراض. هذه الأيام بدأ عمال مشروع النظافة رفع المخلفات في عدد من الأحياء إلا أن ما يلمسه المواطن أن العمل يتم على استحياء وببطء شديد، وإذا سأل عن السبب بطل العجب، فبعد أن تم حل مشاكل العمال، ظهر كابوس الديزل ليشل الحركة عن معدات النظافة وما يعمل منها في الميدان لايتعدى أصابع اليد الواحدة. فكان الديزل هذه المرة هو الحائل أمام نظافة المدينة.. ألم أقل إنها بلاعة تأبى إلا أن تنضح في وجه المحافظة.؟ الديزل هَمٌ يؤرق البلاد والعباد، وها نحن ندفع الفاتورة مجبرين ثمناً للغلاء الفاحش في محافظة لايجد فيها المسئولون سوى رفع شعار: “لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم” إنهم صامتون عن تجار مبدأهم الجشع... وصامتون عن الذين يتاجرون بقوت المواطن دون خجل أو حياء أو من خوف من الله.. صامتون عن شركة النفط التي تعتبر السبب الرئيسي في قذارة مدينتنا بسبب رفعها تسعير الديزل كشرط لصرف مخصصات المشروع، رغم أنها تقبض ثمنه مقدماً وليس عطية منها... لتكون نظافة تعز حقل تجارب لتطبيق التسعيرة المحررة للديزل فإذا كان المشروع (حاوص) عن دفع رواتب عمالة فمن أين له أن يدفع فارق السعر الا ينعكس ذلك سلباً على نظافة المدينة؟ صامتون عن تخفيض مخصص المدينة من الديزل دون إنذار مسبق بينما نجد محطة (الحوت) تبيعه فارضة تسعيرتها (ألفان وأربعمائة ريال للدبة) ولا أحد يسأل: من أين لتلك المحطة هذه الكميات الهائلة من الديزل بينما شريان المدينة يكاد أن يتوقف تماماً عن النبض، ولتر واحد قد يمثل ترياق حياة لعودة الروح فيها. ألم يحن الوقت الآن أن نقول للفساد: كفى، فيكفينا ما نحن فيه من فوضى؟ إن ما نتمناه من الأخ حمود خالد الصوفي – محافظ المحافظة – هو أن يفتح تحقيقاً عن الاستغلال الذي يُمارس على المواطن من قبل تجار الجشع، وكذلك لكشف سر خفض مخصصات المدينة من الديزل المُقدر بمليون ومائة ألف لتر يوماً – بحسب جمعية ملاك محطات الوقود – وهذا ما جعل الباصات تعود مرة أخرى إلى طوابير انتظار الحصول على الديزل ، بعد أن كادت هذه القضية أن تحل عندما تدخلت نقابة النقل الداخلي وخصصت محطات للباصات وصرف ثلاثين لتراً لكل “طالب الله” من أصحاب الباصات الأجرة، وكذا أزمة البترول التي عادت وبقوة على الرغم من رفع السعر بحجة استيراده من الخارج.. وبدون رصاص، والتحقيق مع من يقف وراء اختلاق أزمة الغاز المنزلي في كل مناسبة دينية لتنتهي الأزمة بارتفاع سعر الأسطوانة دون أن يعود السعر بعد ارتفاعه إلى سابق عهده..؟ هل نلمس من قيادة السلطة المحلية وقفة جادة أمام مختلقي الازمات التي تضاعف معاناة المواطن البسيط الذي لا حول له ولا قوة.؟ هل سنلمس توجيهاً واضحاً وإجراءات رادعة من قبل السلطة المحلية لشركة النفط وتلزمها بتوفير الديزل بنفس التسعيرة كما هو حاصل في محافظات الجمهورية حتى لا تقف اليوم حجر عثرة أمام نظافة المدينة.؟ نتمنى ذلك.