يرى البعض في التكنولوجيا ضالته المنشودة وعذره الذي يصبح أقبح من ذنبه في كثير من الأحيان ووسيلته التي لا يمكن أن تبرر غايته، الجوال أحد مظاهر هذه التكنولوجيا والذي غيّر اعتقادات وبدّل سلوكيات لم نكن نتوقع يوماً ما أن تتزعزع أو تتغير، لكن يبدو أن سُنة الحياة فعلاً هي التطور والاختلال، الجوال أصبح من أكثر الأجهزة التكنولوجية شيوعاً واستخداماً بين الناس، نعم هو قرّب البعيد وحدّث القديم، وساهم في إنجاز كثير من المهام التي يقوم بها البشر يومياً. لكن لو لم يكن هذا الاختراع موجوداً لأصبح الناس أكثر دقة في مواعيدهم، وأكثر صدقاً في حديثهم، وأكثر وفاءً مع من يحبون، لأنهم لن يتخذوه وسيلة لتبرير تأخرهم الذي نتج عن عدم احترامهم للمواعيد، وسيجعلوه سبباً للكذب لأنهم لم يكونوا صادقين بما يكفي في تعاملهم مع الناس فتراهم يغلقونه تارة ويشغلون فراغه تارة أخرى، يلوثونه بقوائم سوداء ويغلقون أبواب التواصل مع من لا يرغبون أن يكون معهم على خط الهوى..! نعم تغيرت الغاية من وجود هذا الاختراع الجميل وأصبح يبيع المشاعر ويشتري الأحاسيس ويبحث عن أولويات الجسد متجاهلاً حق العقل والروح في باقة من السلوكيات الفاسدة التي لم يقرها الدين ولم تعترف بها الشريعة، وأعتقد أن كل شخص منا يحمل جوالاً يشبهه! فالبعض يستخدمه لأداء شعائره وواجباته الاجتماعية والمهنية دون التعدي على أعراض الناس وإقحام الشر الذي يحمله صدره بينهم، والبعض الآخر يستخدمه عانياً للدخول إلى بيوت الناس لكن عبر الشقوق كما تصنع الفواسق من الحشرات.. كما أن رنة الجوال تدل على شخص المستخدم صاحبه، إذ لا يوجد أي وجه شبه بين رنة تنبيه هادئة لا تزعج الآخرين وبين رنات تقيم الدنيا ولا تقعدها داخل الباصات العامة مثلاً أو في جلسة عمل أو ترفيه مع الأصدقاء من باب الاحترام والرقي والتطور أن نشعر بالمسئولية تجاه ما نملك وما نستخدم وما نفعل أيضاً، ولهذا أرى أن من الضروري ألا تتعمد المرأة مثلاً أن تكون رنة جوالها أغنية عاطفية قد تثير مشاعر الآخرين، وكذلك الرجال أيضاً عليهم أن يبقوا رنة الجوال بعيدة عن لمسة الفحولة ولغة الشوارب والعضلات «رنة المصارع جون سينا!»، من وجهة نظري نستطيع التعرف على شخصية الإنسان الذي أمامنا من لون وشكل ورنة جواله.. وإذاً فمن الضروري أن يكون كل ما يخصنا من أدوات وكل ما نستخدمه من مفردات يحكي تركيبتنا النفسية والاجتماعية. كاميرا الجوال وجدت لتكون شاهداً على أحداث خرافية مفاجئة أفرزتها الطبيعة أو أحدثها الناس دون سابق إنذار، ولم توجد من أجل تصوير النساء خلال حفلة عرس أو جلسة بريئة بين صديقات! التكنولوجيا خدمت الإنسان كثيراً وجعلت بقاع العالم المترامية الأطراف مجرد دعوة بين يديه أو كرت سياحي يعرض زوايا العالم وجهاته المختلفة بكل ما فيها من جمال أو قبح! ولولاها «أي التكنولوجيا» ما استطعنا أن نتعرف على كل ما يحدث في كل بقعة من بقاع الأرض، وهي علمٌ قليل علّمه الله للإنسان ليستفيد من كل شيء ومن كل حدث من حوله، فينبغي أن نتعامل معها كنعمة سماوية تستحق الشكر.. أو ليس من فضل الله علينا أن نستطيع سماع آبائنا وأمهاتنا عبر الأثير وهم بعيدون عنا كل البعد؟! أليس من جزيل العطاء أن ترى وتسمع ما لا يمكنك أن تسمعه أو تراه عبر شاشة صغيرة وأنت في مكانك؟! شخصياً أجد متعة كبيرة في مشاهدة الأفلام والبرامج العلمية والوثائقية لما تحمله من معلومات هائلة لا تدل إلا على خالق عظيم لم نقدره حق قدره، جوالك هو بطاقتك الشخصية بين الناس فلا تحاول أن تجعلها قطعة من نار، هي قطعة من الحديد لا معنى لها بدون أرقامك ورنتك المهذبة ورسائلك التي لا تتعدى مساحة الذوق والأدب، لا يهم أن يكون هاتفك ماركة عالمية، وليس من الضروري أن يسمع الجيران رنتك المزعجة وما من قوة تفرض عليك استخدام البلوتوث في الشر فلماذا لا تجعلها رحمة وتستشعرها نعمة..؟!