يُمثّل التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية خطوة هامة على طريق إنهاء الأزمة السياسية العصيبة التي أثقلت كاهل الشعب على مدى عشرة أشهر كاملة وأذاقته مختلف صنوف المعاناة، لكن هذه الخطوة الهامة ليست كافية بحد ذاتها إذا لم تتوافر النوايا الحسنة لدى الطرفين وجديتهما في تنفيذ هذه المبادرة وتطبيقها على أرض الواقع ورغبتهما الصادقة في إنهاء فصول هذه الأزمة وتداعياتها المؤلمة، حيث يبدو أن الجدية في تنفيذ هذه المبادرة لاتزال غائبة حتى الآن.. وهو مايعكسه تزايد انتشار المظاهر المسلحة والمتارس في شوارع المدن وأحيائها واحتلال المزيد من المؤسسات التعليمية والمنشآت العامة واستمرار إيقاف التعليم في عدد من المدارس تحت تهديد السلاح والعنف والترهيب، كل هذا بعد توقيع المبادرة في الوقت الذي كنا نتوقع أن يتم المباشرة في رفع وإزالة هذه المظاهر لإثبات حسن النية في العمل على إنهاء الأزمة السياسية وإعادة الحياة العامة إلى وضعها الطبيعي. يجب أن يعي الطرفان أن تشكيل حكومة الوفاق الوطني بالمناصفة بين المؤتمر وحلفائه والمشترك وشركائه ليست عملية تقاسم مصالح وجني فوائد ومكاسب كما حصل في فترات سابقة، وأقصد هنا في أول حكومة لدولة الوحدة (بين المؤتمر والاشتراكي) أو الحكومة التي تلت أول انتخابات نيابية في عام 1993م (بين المؤتمر والاصلاح والاشتراكي) فالفترة الراهنة لا وجه للمقارنة بينها وبين فترات التقاسم السابقة، لأن حكومة التقاسم المزمع تشكيلها حالياً ستكون مهمتها شاقة وتتمثل في عملية إصلاح وإعادة بناء ما خلّفته الأزمة السياسية من خراب ودمار واعادة الحياة إلى طبيعتها والعمل على إنعاش الأوضاع الاقتصادية التي شارفت على الانهيار. من المؤكد أن الطرفين خلال الفترة الراهنة سيكونان تحت المجهر وأي خطوة خاطئة من أي منهما ستنعكس سلباً على سمعة هذا الطرف أو ذاك وستكشف للناس مدى قدرته من عدمها على إدارة وتلبية احتياجات ومتطلبات أبناء المجتمع، الأمر الذي يفرض عليهما اختيار عناصر نزيهة وكفوءة قادرة على العطاء وتحظى باحترام الجميع لعضوية الحكومة التوافقية المقبلة، فلا أحد سيقبل أن يفرض أي من الطرفين شخصيات سبق وأثبتت فشلها في تجارب سابقة أو عليها شبهات من أي نوع أو تلك الشخصيات المتعصبة والمتشددة حزبياً التي ساهمت بشكل أو بآخر في تأجيج الأزمة وإطالة أمدها، وإقدام أي من الطرفين على مثل هذا العمل هو مؤشر على سوء نيته وعدم جديته في الخروج بالوطن إلى بر الأمان. أيضاً من القضايا والمسائل الهامة التي يجب أن يتنبه لها الطرفان هي مسألة ضرورة إشراك الشباب في حكومة الوفاق الوطني المقبلة ووضع مطالبه واحتياجاته على رأس قائمة أولويات هذه الحكومة، فلا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل شريحة الشباب خاصة إذا ما عرفنا أن الأزمة السياسية الراهنة بدأت بمطالب مشروعة لهذه الشريحة الهامة قبل أن تتحول إلى أزمة سياسية خانقة أكلت الأخضر واليابس بفعل تدخل صُناع الأزمات. إن إدارة أي من الطرفين ظهره للشباب في الفترة القادمة سيقود إلى نتائج كارثية على الأحزاب السياسية التي لن تسلم من سخط الشباب ورفضه لها وانفضاضه من حولها لتجد نفسها وحيدة مع نفرٍ من العواجيز لايمثلون سوى الماضي وربما الحاضر ولكن لاعلاقة لهم بالمستقبل، لأن الشباب فقط هم عنوان المستقبل وعماده المتين، وبالتالي فإن اشراكهم في الحكومة التوافقية المقبلة وتمثل متطلباتهم واحتياجاتهم أمر في غاية الأهمية للوصول إلى معالجات فعلية وحقيقية لتداعيات هذه الأزمة واستئصالها من جذورها وضمان عدم تكرارها مستقبلاً. [email protected]