عدن أونلاين/كتب: محمد الحمامي أسابيع قليلة مضت على تشكيل حكومة الوفاق الوطني وبدء سريان الخطة الأمنية التي أقرتها اللجنة العسكرية والأمنية المشتركة والهادفة إلى التزام جميع الأطراف بالتهدئة والعمل على إعادة تطبيع الأوضاع تدريجيا لا سيما في صنعاء وتعز كمرحلة أولى ضمن مصفوفات من الإجراءات والتدابير العسكرية والأمنية ووفق منهجية نظمية فاعلة وذات أبعاد أفقية ورأسية متوازية متوازنة وشاملة.. وواقع الحال يبعث على شيء من التفاؤل ويعطي أكثر من مؤشر إيجابي يستوجب التريث وادعاء حسن الظن في مدى جدية ومصداقية النوايا لدى فرقاء الحياة السياسية ''شركاء الحكم'' في العمل سويا لإخراج البلد من دوامة العنف المفتعل وسلسلة التدمير المنظم لمقدراته وخيراته وإنسانه وقيمه، والانطلاق به عبر مسار التغيير الشامل وصولاً إلى تحقيق كامل مقاصد ثورته الشبابية السلمية النقية وجوهرها بناء اليمن الجديد والآمن والمزدهر. غير أنه في ذات الوقت و بالنظر إلى التاريخ الطويل لنكث صالح بالتزاماته وعهوده وتنصله عن مسؤولياته، وفي المقابل وجود النزعة الإقصائية لدى تيارات النخبة السياسية العربية على اختلاف ألوانها ومشاربها، يضاف إلى ذلك التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية لثورة التغيير السلمية كل ذلك يحتم علينا الاقتصاد في تفاؤلنا والحذر حال قراءة الأحداث، وذلك يقتضي تناول ورسم أهم السيناريوهات المحتملة لوضع اليمن على المدى القصير.. خلال العامين المقبلين. أولاً: سيناريو التوافق يدرك الجانبان ''المؤتمر والمشترك وحلفاؤهما'' أنهما بهذا الاتفاق ''توقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية'' خرجا للتو من سباق ماراثون طويل وشاق ومدمر اختزل قدراتهما وأنهك قواتهما ويكاد يذهب بالبلد، وهما لذلك حريصان كل الحرص على نجاح واستمرار هذا الاتفاق والمتمثل على أقل تقدير في مواصلة حكومة الوفاق القيام بأعمالها حتى إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة. وهذا السيناريو هو الأقرب للتحقيق. حسابات المؤتمر *يعلم علي صالح وقيادات حزبه ''المؤتمر'' أن ما خرج به من المبادرة وآلية تنفيذها يمثل الحد الأعلى الممكن لما قد يعتبر مكسباً متواضعاً للرئيس وحزبه في ظل الهزائم الماحقة التي ألحقتها ثورات الربيع العربي بالأنظمة الاستبدادية الحاكمة. *الاتفاق يحفظ للمشير بعض لحم وجهه -نصف المحروق وكامل المشوه- للخروج من المشهد السياسي اليمني وذاكرة اليمنيين، وفي ذات الوقت يحفظ للمؤتمر –وإن بصورة مؤقتة- بعض تماسكه وبصيص أمل في إنعاش قد يمنحه إياه الصندوق الانتخابي -ورقة حظ الأيام الخوالي- ويخرجه من حالة موته السريري الراهنة. *يعتقد صالح وحزبه أن بإمكانهما التواري بصورتهما القديمة ومن ثم التخلق من جديد بصورة محسنة تتجلى في الرئيس التوافقي ''هادي'' –الأمين العام المستغفل والنائب غير المفعل والرئيس المؤجل''. *يدرك المؤتمر ''أبو 33'' وحزب ال''560'' أن أي افتعال للتوتر وعرقلة الاتفاق سيلقي أصابع اتهام الرأي العام الشعبي والمجتمع الإقليمي والدولي عليه باعتباره أبرز وأخطر مهددات خطة الاتفاق التي أعدت أصلا لإنقاذه. *يأخذ صالح وحزبه في الاعتبار أن البديل لفشل الاتفاق هو خيار الحسم الثوري، الذي لن يتبقى معه فرصة لأي مجرم للنجاة. حسابات المشترك *يفهم المشترك جيداً أن أغلى ثمن يمكنه أن يتقاضاه –كأحزاب ونظام حكم في المستقبل- من الجوار الإقليمي واللاعب الرئيسي الدولي هو في الإبقاء على جسد نظام خائن خائر وشكل نظام تبعي ممكن مستقبلاً. *تعي بعض مكونات المشترك أن سقوط النظام المحتضر كلية قد يأتي بقوى جديدة صاعدة أو يتيح المجال لبعض مكونات المشترك للاستفراد بالقوة والاستئثار من جدبد بالسلطة والثروة، وقد يخرج مقود التحكم في حالة الحسم الثوري من يد اللاعبين الرئيسيين على الساحة السياسية. *يأمل المشترك أن تحدث انفراجات خلال الفترة الانتقالية تحسب له، كما يؤمل في الاتجاه الآخر أن يرتكب المؤتمر مزيدا من الأخطاء ومحاولة تأزيم الوضع ما يعني إصداره لنفسه شهادة رسمية بالوفاة، لكن من داخل صندوق الانتخابات.. حينها تكون الأمور مواتية للمشترك لقيادة البلاد. *يقطع المشترك الطريق أمام احتمال اندلاع أي ثورة مستقبلا قد تأتي ضد نظام حكمه وتؤسس بنجاح لثقافة إسقاط النظام. *يؤمن المشترك بامتلاك النظام العائلي لقدرة تدميرية ليست بالهينة، ولا سيما مع وجود أغلبية صامتة قد تؤيد إسقاط النظام ولكن ثقتها بالمعارضة مزعزعة، وهو ما سيدفع بالمؤتمر في حالة عدم مدّ يد الإنقاذ له إلى الانتحار العنيف وفق قاعدة ''عليّ وعلى أعدائي''. *يثق المشترك أن خيارات صالح وحزبه أصبحت محدودة ولم يعد بإمكان العودة إلى مراوغاته أو انقلابه على الاتفاق مثلما حدث عقب وثيقة العهد والاتفاق عام 94. خطوات المؤتمر المتوقعة - يعمد المؤتمر عبر فروعه وقيادته الإدارية إلى إعاقة وتعليق قرارات وزراء المشترك داخل وزاراتهم. -يجتهد المؤتمر كثيرا في توثيق وإبراز هفوات المشترك وتصويره للداخل والخارج بأنه يخترق بنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. - شن حملة دعائية موسعة هدفها التشكيك بقدرات المشترك على إدارة الحكم وكذا شراكته مع نظام متهم بالفساد ، مهمشا في الوقت ذاته دور المعارضة خارجيا وتضخيم مسؤوليتها أمام الداخل. - يحاول النظام العائلي خلال الفترة الانتقالية اختراق شباب الساحات عبر أذرعه الأمنية والإعلامية في مسعى لتطويعهم وربما قيادتهم لثورة مضادة ضد شريك الحكم. - يسعى صالح للإبقاء على كثير من خيوط اللعبة في يده للتحكم في حركة ''هادي'' والفريق الوزاري الهجين، وذلك ما تم عبر تشكيل مجلس حكم ظل. وأيضا يحاول صالح الاستمرار في افتعال الصراع بين مكونات عقدية وسياسية واجتماعية مختلفة، مع اتخاذ دور المصلح والناصح والمخلص. -في كل الأحوال ستكون هناك مساحة تفاهم وود على الأقل ظاهريا للحيلولة دون تفاقم الخلافات وانفضاض الشراكة. خطوات المشترك المتوقعة - قد تستعذب المعارضة ممثلة بوزرائها إبداء التذمر المستمر وتعليق أي قصور على شماعة المماحكات السياسية والنوايا غير البريئة للمشترك الآخر (المؤتمر). - برغم مساعيه لرفع الاعتصامات إلا أن المشترك سيعمل على استمرار جذوة الثورة مشتعلة بأساليب مختلفة كونها تمثل في نظره الضمان الوحيد لتطبيق المبادرة - قد يسعى المشترك للاستحواذ على المساعدات الأجنبية واستغلالها في التبشير بقدوم عهده وزوال حكم الفساد والإفقار والتجويع. - بعكس المؤتمر سيحرص المشترك على تقديم نماذج مشرفة لإدارة ومؤسسات الدولة التي يتولاها وتنفيذ برامج تنموية جادة ومحفزة والحرص على تقديم مستوى مقبول من الخدمات الأساسية للمواطنين. - قد لا يكون للمشترك دور أساسي في انتقال الثورة من الساحات إلى المؤسسات وإيقاد صحوات شعبية مجتمعية داخل أروقة مؤسسات الدولة، لكنه لن يتوانى في استغلالها لتفكيك مفاصل النظام في تلك المؤسسات، وإحداث زعزعة قوية في صفوف النظام، وإظهار صالح بأنه عاجز عن الدفاع حتى أقرب المقربين له كعبدالخالق القاضي وعلي الشاطر وغيرهم. - سيحاول المشترك تقليم مخالب النظام العائلي من خلال استمرار المطالبة بدمج الجيش والتعيين حسب الكفاءة والنزاهة، مع المناداة بإعطاء النائب كرئيس والمؤتمر كحزب دورا حقيقيا في الحكم، بهدف زعزعته من الداخل ومحاولة استقطاب البعض من كوادره وأنصاره. - سيعمل المشترك على فرض ما عجز عن أخذه بالتوافق من خلال الدفع برئيس الحكومة ووزرائه إلى التلويح المتكرر بالاستقالة وفض الشراكة، واللجوء للساحات الثورية. - سيبقي إعلام المشترك ممثلا بقناة سهيل وصحف المعارضة على خطه الهجومي الثوري على صالح، مع تصوير الاتفاق على أنه نصر حقيقي للمعارضة ، وعرض آراء تتحدث عن تضحيات وتنازلات مؤلمة من أجل الوطن. النتائج الممكنة - استمرار الزخم الثوري في الساحات مع التحول التدريجي للشباب نحو العمل السياسي المنظم. - اكتساب المعارضة لمزيد من الأنصار يقابله انحسار في عدد منتسبي المؤتمر. - قيام حرب باردة بين قيادات المؤتمر القديمة ورئيس الجمهورية بالإنابة وفريق عمله الجديد. - ستنعم البلاد بدعم دولي هائل لإعادة الإعمار في ظل تنافس محموم بين الفريقين لتسويق نفسيهما. - سيتلاشى ظهور أفراد العائلة في المراكز القيادية مع بقاء تأثيرهم على إدارتها، وهذا ربما بدأت نتائجه تظهر من خلال حديث صالح عن رحيل مؤقت لإتاحة الفرصة لحكومة الوفاق- حسب قوله. - ستشهد العلاقات بين المؤتمر والمشترك تذبذبا واضحا يتراوح بين الفتور والانتقاد والمجاملة. - بقاء حكومة الوفاق الوطني في الأغلب مع تغيير بعض القيادات التي قد تطالها الانتقادات لا سيما في حقائب المؤتمر. - تراجع النزعة الانفصالية لفصائل الحراك الجنوبي وتلاشي حظوظ الحوثيين في إقامة إمارات شيعية في صعدة وما جاورها. - قد يكون الحديث في ظل هذا الوضع ملائماً عن إمكانية إجراء مصالحة ثنائية ووطنية شاملة، مع احتمال تقبل الثوار لمبدأ تحقيق العدالة الانتقالية فيما لو استوفيت حقوق الضحايا وأعيدت الأموال المنهوبة- أياً كانت صورها وصفة ناهبيها إلى خزينة الدولة. *نقلاً عن أسبوعية اليقين