في كل مجالات الحياة “الاجتماعية والعلمية والسياسية وغيرها” نمارس مهامنا ونؤدي واجباتنا، وفي تعاملنا مع من حولنا لابد أن يكون هناك التعدد في الرؤى والاختلاف في وجهات النظر، وقد تنشأ لحظات من “التدافع” أو التنافس الذي من الطبيعي أن يأخذ شكل صراع وتعدد وثنائيات لاتمنع من وجود الشيء ونقيضه في ظل غاية جامعة ذات طبيعة متسامية أساسها إنساني أو وطني أو حضاري، مادامت “الأخلاق” هي من يرعى هذا التعدد وكل تصرفات الإنسان في أعماله أو علاقاته أو منجزاته. إن سؤال الأخلاق هو السؤال الذي ينبغي أن يكون حاضراً في واقع الحياة لحظة قيامنا بأي سلوك اجتماعي أو مهني أو غيره حتى لانقع في دائرة المحظور. والمحظور أن نعمل ونتعامل بدون هداية من الضمير أو القيم الأخلاقية أو مبادىء الإنسانية فنصبح مصدر ضرر وإخلال بالحياة وأبناء الحياة، في الوقت الذي نزعم أننا نقدم شيئاً يخدمهم أو يخدم “الحقيقة” أو أن الغاية إنسانية، وطنية، وحضارية. فهل إذن يحضر “سؤال الأخلاق” في سلوكياتنا الاجتماعية والمهنية أم أن مصالحنا ورغباتنا الفردية هي من يرسم الطريق ويوجه السلوكيات؟! مثلما أن للبحث العلمي أخلاقيات وللعلاقات الاجتماعية أخلاقيات فإن للسياسة كذلك أخلاقيات وللعمل الصحفي والإعلامي أخلاقيات وليس هذا فحسب، بل إن للحرب أخلاقيات وللخصام والنزاعات أخلاقيات، وبهذه الأخلاقيات يكتمل معنى أن يكون الإنسان إنساناً وجد للاستخلاف في الأرض وصناعة الحياة لا هداماً يتعاون مع الشيطان لإفساد الحياة. أين هي أخلاقيات السياسة؟ أين هي أخلاقيات الإعلام؟ أين هي أخلاقيات التنازع والاختلاف؟! لماذا تحولت السياسة اليوم من كونها “فن الممكن” إلى كونها فن الإخضاع وفق فكرة "النصر والهزيمة"؟! لماذا أصبح الإعلام يعني ممارسة الكذب وتزييف الوعي وتشويه الحقيقة، في تنكر واضح لمبدأ الحياد ونقل الصدق ووضع المتلقين أمام “الحقيقة” عارية من كل “رتوش” التحيزات والانتماءات؟! ولماذا نجعل الخصام والنزاع مدخلاً للفجور وإضمار الشر للآخر والبحث عن كل الوسائل الممكنة للتغلب عليه بدون التمييز بين ما هو أخلاقي وماهو غير أخلاقي؟! إننا قد نكره أناساً وربما بالغنا في بغضهم، لكن أخلاقيات العداء تقول: إن كرهنا لهم لاينبغي أن يكون سبباً في أن نغمطهم حقهم أو أن نؤذيهم، ولنتذكر الفاروق عمر يوم أن عبّر عن بغضه لقاتل أخيه في الجاهلية، وكان هذا الرجل القاتل قد أسلم، فقال له يا أمير المؤمنين: هل بغضك لي يمنعني حقاً هو لي؟! فقال له عمر: لا، فقال الرجل: إذن فلا تحببني، فإنما تبكي على الحب النساء. لابد إذن أن يحضر سؤال الأخلاق في أذهاننا ونحن نعيش ونعمل ونتعامل وننجز ونختلف؛ لأننا مسلمون ونعيش في زمن الوعي الإنساني والحضاري الذي تكرسه مؤسسات كثيرة، وإن الفكر المعاصر أصبح اليوم أكثر جرأة في مواجهة العالم الحديث والتقدم العلمي والتكنولوجي الذي تجاوز كثيراً من أخلاقيات العلم، لاسيما حين انغمس في فكرة “الاستنساخ” والانحراف إلى إيذاء الإنسان وصناعة الموت بالفيروسات وسباق التسلح وحروب الهيمنة مثل انغماسه في دائرة التحيزات والمصالح وإذكاء الصراعات وتسييس ماهو إنساني!