إن المبادرة الخليجية التي ارتضاها جميع الفرقاء واحتاجت للكثير من الجهد والوقت لكي تكون في وضع يقبله الجميع ويعملون على تنزيله في الحياة اليومية لليمن واليمنيين تلزم كل أطراف الصراع تقبل الأمر الواقع وابتعادهم عن مسرح الحراك السياسي والقبلي والعسكري بدون استثناء احتراماً للمبادرة ومن يقف خلفها. ما أن تنفس اليمنيون السكينة والهدوء حتى عاد نعيق الغربان المسموم يلوث الأجواء والساحات والمجالس والقنوات مستهدفاً التوافق الذي تقوده حكومة باسندوة والعمل الوطني المتسارع الذي تنفذه اللجنة العسكرية لتجاوز حالة التأزم والعبث والفوضى التي خلفها فرقاء الصراع وعتاولة التخريب. إذا كان اليمنيون قد تعاموا عن المرحلة السابقة وما صاحبها من تضخم لثروات المتنفذين وتمدد سطوتهم وغطرستهم حتى استهدفت أمنهم ولقمة عيشهم وكرامتهم وحقوقهم وحرياتهم، فإن الأمر لا يمكن أن يتكرر ويعيد إنتاج ثقافة القمع القبلي والمناطقي التي يحاول بعض المتنفذين وعتاولة الفساد تمريرها ليصبح واقعاً مفروضاً لا فكاك منه. أعتقد أن المبادرة الخليجية لا يمكن أن تنفذ بشكل مرض ٍوفعال وفق جدولها الزمني طالما وأطراف الأزمة اليمنية يعملون كل ما يحلولهم ويصرحون بأقوال لا تمت إلى العقل والحكمة بصلة،لديهم من وسائل التحريض كل ضد الآخر ما يجعل المتتبع يوقن بأن الحالة تستدعي تدخل الأطراف الراعية والداعمة للمبادرة الخليجية لإنقاذها من عبث تلك الأطراف وعدم إدراكهم لعواقب الأحداث والفوضى. إن إعاقة عمل اللجنة العسكرية وإغراقها في دائرة الحصبة قد حول الأمر إلى ما يشبه محرقة المبادرة وآلياتها في هذه الدائرة التي استنزفت اليمن وافسدت النظام والمؤسسات على مدار العقود الخمسة الماضية. لا أدري كيف يمكن للمبادرة الخليجية أن تعمل في الواقع اليومي لليمنيين في ظل وجود فراعنة الفوضى والعبث، لابد من خروجهم جميعاً ومحاسبتهم جميعاً، لأن دماء الشباب اليمني الذي دفع ثمن تلك المطالب المشروعة، تلك الأطراف جميعها يجب أن تتحمل تبعاته ولا يمكن حجب الأطراف الأخرى التي تلوثت أيديهم بدماء الشباب بحجة انضمامهم لساحة الحرية أو التغيير واحتمائهم بثورة الشباب ومحاولتهم توجيهها لتحقق غرورهم وأهدافهم المخفية والمستترة. من المؤسف أن نجد هوس التصريحات واللقاءات والعنتريات والمماحكات التي تصدر عن أطراف الأزمة تطغى على أخبار الحكومة وعمل اللجنة العسكرية، أضف إلى هذا ثورة اقتحام المؤسسات وفوضويتها، مع أن هذا الدور الحكومة هي التي ستقوم به وتعمل على تنفيذ برنامج التغيير وتدوير الوظيفة العامة بشكل منظم لا يخضع لقانون الانتقام بل لقانون تنظيف الوظيفة العامة والمؤسسات من الفاسدين والهبارين. أتمنى - وهي أمنية كل اليمنيين - على خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن يستضيف كلاً من الأخ علي عبدالله صالح، وعلي محسن الأحمر وأولاد الأحمر حتى نهاية الفترة الانتقالية الثانية بكل ما أوتي من حكمة ومودة ونفوذ. إن هذا الموقف سيضاف إلى مواقف جلالته الداعمة لاستقرار اليمن وتنميته ولن تعجزه الحيلة لعمل ذلك، إنقاذاً للمبادرة وحفاظاً على اليمن الأرض والإنسان. [email protected]