إن الزعامة تفرد وتميز وتضحية، لها ثوابت وقيم وأخلاق لا يمكن لشخص ما أن يراهن على حمله لها أو توافرها لديه مالم يكن قادراً على التحلي بها في الفكر والسلوك والسر والعلن، أثناء تقلده للقيادة وامتهانه للسلطة أو بعد تركه لها.. أو إجباره على التخلي عنها بسبب فشل في إدارته وفساد في منظومة حكمه وقيادات مؤسسات دولته. الزعامة تتناقض واستغلال المؤسسات ومرافق الدولة، تتناقض حين يصبح ولاء تلك القيادات لشخص الزعيم بدلاً من ولائهم للمؤسسات والوطن الذي يعتبر أعظم وأقدم وأغلى وأبقى من الأشخاص والزعامات ، لذلك فإن المستحقين للقب الزعامة قليلون، لا تعطى لمن «هب ودب» أو لكل مدعٍ، إنها تتجلى أكثر في اللحظات الصعبة والمنعطفات القاتلة والمواقف الحكيمة والقرارات الشجاعة والتضحيات الكبيرة. حين أعلن الرئيس السابق علي عبدالله صالح أنه لن يسلم السلطة إلا عبر صناديق الاقتراع أكبرناه واحتسبنا الموقف له لا ضده، لكنه حين عاد بعد احتكام اليمنيين لصندوق الاقتراع وحصوله ومن معه على قانون الحصانة ليزايد على إصلاح المسار السياسي الذي أفسده طيلة فترة حكمه، فذلك أمر لا تقره مبادئ الزعامة وثوابتها واخلاقياتها، لأن الأعمال التي تصدر ليست أكثر من مشاغبات ومراهقات متأخرة ومناكفات للخصوم تقلل من مكانة صاحبها، تفقده أي دور تاريخي قد كان يحسب له، فإذا به يتحول بسبب ما إدانة له وشهادة على فقدانه بوصلة الحكمة ومقومات الزعامة وعدم احترامه لنفسه والتزامه بالعهود التي بينه وبين الناس. ثلاثة عقود لم يستطع خلالها بناء دولة المؤسسات، ثقافة احترام القانون، أما هيبة الدولة فقد وزعها على مشايخ السوبر والثعابين التي رقص معها طيلة ثلاثة عقود فوق معاناة اليمنيين وأحلامهم. من كثرة ما ترددت عبارة الحوار والدعوة إليه في كلمات وخطب وحوارات الرئيس السابق، ترسخ لدى الكثيرين اعتقاد بأن أحزاب المعارضة هي التي تقف عائقاً أمام أي حوار وطني، حتى ظهر الجميع على حقيقته، تبين أن تلك الدعوات ليست أكثر من واجهة إعلامية وفلسفة حديثة للمراوغة أن الحوار مفقود مفقود والحكمة اليمانية الأمنية الغابئة. تمنيت لو أن الأخ علي عبدالله صالح قد احتفظ بما قدمه بخيره وشره ثم ترك للتاريخ الفرز والحكم والمفاضلة وانسحب إلى الظل مثل غيره ممن حكم ثم اقتنع بما أعطى ورحل مشكوراً لا مدحوراً، إصراره على مواصلة العبث السياسي عبر المؤتمر الشعبي والحضور العسكري اللافت للنظر وما يقال عن علاقته بالإمارات الإسلامية المفرخة في مفاصل الكيان اليمني والأعمال المسلحة التي تقلق السكينة العامة وأمن واستقرار المجتمع، تؤكد للمحبين قبل المبغضين أنه قد فقد الحكمة، غلب منطق التدمير والعمل على إعاقة التغيير الذي صوت له اليمنيون يوم 21 فبراير 2012م. إن منطق القوة والتعالي هي صفة فرعونية، لأن جنون العظمة يفقد صاحبه كل صفات العقل والحكمة والقيادة والزعامة، يتحول إلى كتلة ملتهبة من الشر والحقد والكراهية، يستحضر اللعنات بدلاً من الرحمات، العناد في هذه المواقف لا يضيع مجداً بل يتحول تلقائياً إلى محرقة للمجد ومزبلة للتاريخ، يلصق به كل منكر وتضاف إلى رصيده كل السيئات يصبح شماعة تعلق عليها كل الأخطاء والعثرات. اليوم وبعد ثلاثة وثلاثين عاماً من البناء الهش أراد علي عبدالله صالح أن يتكئ على شرفة رخوة متهالكة ويقف على سُلّم قد تركه زمناً لأرضة وسوسة الفساد والعبث، لا يقوى على حمله نفسه، المتناقضات أكلته من كل اتجاه افتقد روح المدافعة وثقافة العمل الجماعي وشراكة القيادة وتجدد الدماء وتغير الأزمنة والمراحل والرجال. إن الحالة اليمنية والمرحلة المتأزمة التي تمر بها تستدعي من كل أطراف الصراع وأقطاب النظام السابق ممن تأكد ضلوعهم في الأزمة ومشاركتهم في التخريب والفوضى، أن يرحلوا جميعاً، السياسيين والعسكريين والقبليين، حتى نضمن أن اليمن لا تقف على حافة الانهيار والفوضى، لأن تلك الأطراف بما لديها من امكانيات مادية وعسكرية وقدرة على تحريك القبائل والاحداث والاستنزاف المتواصل للدولة والمجتمع يصبح بقاؤها في الوقت الراهن مكدراً موضوعياً لأي انفراج ومثبطاً لأي تغيير. بل يجعل اليمنيين يتوقعون التداعيات والمشاغبات والأعمال الرامية لإفشال المبادرة الخليجية ومهمة الرئيس الجديد وقدرته على التغيير الجذري والحاسم لاقتلاع المتنفذين وعتاولة الفساد. [email protected]