كان المقال صادماً بالنسبة لي، ولكثيرين، لسببين الأول : هو القنوط الذي لم أتوقع أن له مكان في قلب الثائرة المناضلة بشرى المقطري. والثاني : لأن مقالها ينكر رعاية الله مسيرة الحياة في ليلة صقيع “خدار” , ويصور حالة الانكار وكأنها لسان حال المسيرة، ومقالي هذا عتبٌ حميم لها. لست أدافع عن الله ولا أحميه كما سيقول بعض المراهقين ,, لأنه هو من دافع عن المسيرة وأنا واحد من شبابها , وتكفل وحده بحراسة هذه الفتاة التي لم تكن وحدها , بل مع آلاف من الشباب الثائرين , وحده الله من حمانا في ليلة موحشة في قفر “خدار” يوم تخلى الجميع عنا , في بطن قبائل سنحان التي تتمنى نهش أكباد أبناء تعز وثوارها , ولست أزايد هنا لمصحلة طرف ضد الأستاذة التي طالما أكبرت مواقفها , وأعظمتُ تضحياتها ونظالها. فمالذي دعى المقطرية إلى أنكار وجوده تلك الليلة وأنها بشجاعتها الباسلة قاومت الصقيع والخوف ومنعت بقدرتها الخارقة أي اعتداء كنا نتوقعه كل لحظة. كانت بشرى المقطري وغيرها من النساء في رعاية رب كريم ,, ولكنها وقاحة العبيد ,, “فلما أنجاهم إلى البر كفروا” باتت بشرى وغيرها من النساء في أكثر الأماكن أمناً تلك الليلة ,, وكنت أحد أولئك الشباب الذين يتحلقون حول الاطارات والأغصان المحترقة , نطلب الدفئ لا ترفاً وإنما لمنع تتجمد دمائنا في العروق , وحين تنطفئ نار نبحث عن شيء آخر قابل للحرق يهدئ عنا آلآم الصقيع. أحدهم أمامي بحث عن روث “بغل” ليحرقه لأنه سمع أنه يصلح للتدفئة في الريف , ووجده وأحرقه واضطررنا للتحلق حول هذه النار مدة ربع ساعة كان أكثرنا لا يحمل بطانيات أو طرابيل أو حتى كراتين ينام عليها , وفضلنا الحركة والمشي حول أنفسنا طوال الليل , نتمنى طلوع الشمس من قبل منتصف الليل , نتمنى الدفء وأصبح المشي والحركة بالنسبة إلينا ترفٌ باذخ لا نصل إليه , وحسب علمي كانت النساء هي الأولى بالبطانيات. لم نتمنى أن نعود إلى تعز , ولم ننكر وجود الله في تلك الليلة -كما فعلت الاستاذة بشرى - , أتذكر أحدنا كان يصف منظرنا ضاحكاً بأننا نشبه عبدة النار “المجوس” ونحن نحلق حول النار ,, وسمعت أكثرهم ينهره وينكر عليه التجاوز في الوصف , رغم ما يعانونه. لم نتذمر أو نفقد الصواب , كانت الأمنية الوحيدة هي طلوع الشمس , واتجهت انظارنا نحو الشرق كلما اقترب الفجر , وما إن طلع الضوء كنا في الطريق , نشعر بأن المشي والحركة نعمة لم تكن بمقدورنا بسبب تحذير القائمين على المسيرة من أي تجول خارج محيط المدرسة. غمرني الفرح حينما أخبرني ابن خالتي اللصيق بي أن لديه “جعالة” نعنع , وسكاكر ربما تمنح أجسادنا بعض السعرات الحرارية تحفف البرد ولكن لا فائدة, وكل واحد أعرفه أعطيه حبات من السكاكر ربما تفيده , كنا في فرح ثوري , وكانت كل لحظاتنا مشوبة بالدعابة ولم يستطع الصقيع إقناعنا بعبثية تناول السكاكر , أو بأن لا وجود للعلاقة بين السعرات الحرارية والسكريات , ناهيك عن إنكار وجود الله في تلك الليلة.لم أسمع هذا القنوط والتجاوز الذي تجرأت عليه بشرى المقطري من أكثر الشباب بؤساً تلك الليلة , الذين لا يملكون سوى ملابس مهترئة وكثير ممن لا يلبس سوى شميز وبنطال لا أكثر , وشباب لا يلبسون حذاءاً دامية أطرافهم. كانوا في قمة النشوة , ويهمسون “هذا الصقيع لا يطاق ولكن الذكرى الخالدة لهذه الليلة تستحق العناء”.بشرى المقطري أحترمها كثيراً وأعتبرها أيقونة ثورتنا , ومثالاً راقياً للمرأة المناضلة، ومقالي هذا عتب حميم , لا يفسد “للبرد” قضية.