خطاب التخوين والتكفير والإقصاء والإلغاء، واستخدام الخطاب الديني في قمع الحرية، هو فكرة رائجة ومعتادة في المجتمعات المغلقة الأحادية التي تحكمها الإيديولوجيات السياسية أو الفكرية، وتلك التي تسيطر عليها الانظمة القمعية الاستبدادية، وهي توظف ذلك الخطاب للاستحواذ على السلطة، والتمسك بمقاليد الحكم فيها، وإقصاء معارضيهم. في الحياة السياسية والاجتماعية اليمنية كان دوماً هناك تنوع ثقافي واجتماعي وسياسي كبير، تعايش اليمنيون فترات طويلة لم تخلُ من جولات عنف عنيفة أحدثت شروخا وعلامات موجعة في الجسد اليمني. الحالة التي وصلت إليها اليمن في ظل حكم النظام الذي استغل وجود التناقضات والفوارق الاجتماعية والسياسية والماضي الثأري بين القوى التقليدية في اليمن، وتلك السياسية التي تناحرت فيما بينها خلال الفترات الماضية، وقام بتعزيز الخلافات والصراعات، واستخدام سياسة “فرق تسد”، وبسبب انعدام الوعي الاجتماعي وتراجع مستوى الولاء والانتماء الوطني، تمكن النظام من تحويل اليمنيين لكائنات طفيلية لا مرئية، تقتات على الخارج وتلجأ إليه، للاستقواء على الداخل، وأشعل النظام فتيل الحروب القبلية والثارات فيما بينها، ولجأ ايضا لاستخدام الخطاب الديني بما يخدم مصالحه، ويؤدي لتعزيز مكانته وقمع الاصوات المعارضة له سواء كانوا جماعات او افرادًا، وتحالف مع الاحزاب والجماعات الدينية، مستفيدا من فتاوى تلك الاحزاب والجماعات لقمع المطالبين بإزاحة الرئيس من كرسي الحكم، ومنع وتحريم منافسته باعتباره ولياً للأمر، وهو ما حدث خلال انتخابات الرئاسة في 1999م التي كان فيها مرشحا لحزب التجمع اليمني للاصلاح، وانتخابات 2006م التي اصدرت فيها الجماعات السلفية المتشددة التي لا تؤمن اصلاً بفكرة الديمقراطية والانتخابات فتاوى تحرم منافسة صالح على منصبه، وقامت تلك الجماعات بحشد أعضائها ومناصريها لترشيح صالح في مواجهة المهندس فيصل بن شملان. في مواجهة الثورة الشبابية الشعبية حاول صالح استخدام الورقة الدينية، لتحريم الثورة غير أنه فشل فشلا ذريعا، بسبب فشله في إقناع جمعية علماء اليمن، والتي ينتمي عدد كبير من أعضائها للتجمع اليمني للإصلاح، بسبب إفراطه في استخدام العنف ضد شباب الثورة، ولعدم موافقته على الحل الذي اقترحه أعضاء الجمعية، وفي مواجهة ذلك الفشل استطاع استخراج فتوى من الجماعات السلفية تحرم الخروج على الحاكم، وتجيز قتل المتظاهرين باعتبارهم خرجوا عن طاعة ولي الأمر. هناك ضرورة ملحة لتقنين وترشيد الخطاب الديني التحريضي، بين الجماعات التي تستخدم المظلة الدينية المذهبية، والتي تلغي بعضها البعض، وتمارس خطابا تحريضيا بغيضا، يلغي ويقصي الآخر تماما، ويدعو لاجتثاثه وقتاله وتشريد اتباعه. على الاطراف السياسية الفاعلة في الساحة اليمنية وعقلاء البلاد مراقبة ذلك الخطاب ومنع انتشاره وخروج تداعياته عن السيطرة، فلا يوجد أي طرف يمتلك الحقيقة وحده، وعلى تلك الاطراف أن تتعلم القبول بالآخر، والتعايش مع فكرة التنوع والاختلاف الفكري والمذهبي، وقبل ذلك الإيمان بأهمية بناء دولة مدنية يتساوى تحت ظلها الجميع، دولة القانون والمواطنة والحرية والعدالة، التي يستظل تحت ظلها جميع اليمنيين، دونما تمييز، أو تمايز، ودونما لجوء للعنف وخطاب الإقصاء والكراهية. [email protected]