منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه كتابة عمودي اليومي الذي ورطني به الأستاذ سمير اليوسفي - رئيس التحرير - ووافقت على مضض؛ نظراً لكوني أكره فكرة الالتزام اليومي بالكتابة، وأشعر أنها تجعل الصحفي يتناول الكثير من القضايا والمواضيع بسطحية كبيرة، ويبتعد عن الكتابة التحليلية العميقة القائمة على جمع وتحليل المعلومات والحقائق، واستكشاف ما وراء الأخبار. لم أناقش مع رئيس التحرير مكان العمود، ولم أختر الصفحة الثالثة لمزاحمة الزميل منير الماوري، الذي حجز أكثر من نصف الصفحة لحسابه، ومنذ اليوم الأول احترمت حق الأقدمية المهنية له، واخترت كتابة عمود قصير محشور في ركن الصفحة الأيسر، وكنت قنوعاً بمساحته، مفضلاً التعايش مع جاري الذي أعتبره بمثابة الشقيق الأكبر، وبدأت أتساءل: ماذا لو غاب الزميل منير الماوري عن الصفحة، هل سيلزمني رئيس التحرير بكتابة عمودي بالعرض لأغطي الفراغ الذي سيتركه؟! وماذا لو قرر بدلاً عن نشر إعلانات عن سمن القمرية في نفس الصفحة، هل سأجد حينها من يقرأ عمودي؟!. لو تمكن الزميل منير الماوري من قراءة نواياي لما أثار العديد من المخاوف يوم أمس وبدأ في رسم خيوط مؤامرة وهمية أدبرها له دون علمي، ولا أدري على ماذا بنى قناعاته بشأن توسعي باتجاهه، فأنا ملتزم تماماً بموقعي، ولم أقترب باتجاه المتارس المنصوبة في ثنايا مساحته وأطرافها، وليس من هواياتي المفضلة ممارسة رياضة القنص أو النصع، لذا فعليه أن يطمئن لحسن جواري، ولا يدع الهواجس تتملكه أو يسكنه خوف على قراءة الأعزاء - الذي أنا أحدهم - وعليه أن يكون أكثر ثقة وإيماناً بإدمان معجباته الكثيرات لكتاباته الدسمة. العقد الاجتماعي ينبع من اتفاق جميع الأطراف التي تعيش في بقعة واحدة وتدعوها الحاجة أو تعارض المصالح وتضاربها لأن توقع على قانون أو اتفاق ينظم العلاقة فيما بين تلك الأطراف، وليس مجرد اتفاق سياسي يمليه طرف على بقية الأطراف، وهو قابل للنقض والتطوير لكن بموافقة جميع الأطراف. لا يوجد ما يمكن أن يثير مخاوف الزميل الماوري من حقيقة رغبتي وإيماني المطلق بفضيلة التعايش السلمي، وقبول الآخر بكل سلام ومحبة، فالتنوع هو أصل الحياة، ولا يمكن لأي مجتمع أن يتطور وينمو، ما لم يكن مؤمناً بفكرة التنوع السياسي والفكري والثقافي والديني والاقتصادي والاجتماعي، فالتنوع هو الأصل وليس التوحد والتفرد. وعلى الرغم من أني أكره جدار الفصل العنصري الذي وضعه المخرج حول عمودي، الأمر الذي جعله يتناقض مع عنوانه اليومي، إلا أني سعيد بوجود عمودي إلى جانب مساحة الزميل منير الماوري، وإن كنت لا أتفق معه حول بعض ما يكتبه، فلم أفكر يوماً بالرد عليه؛ لأنه لا يمنح تلك الفرصة لأحد، فهو غالباً ما يراجع نفسه كل مرة ويمارس النقد الذاتي، ولا يتمترس حول فكرة بعينها، وتلك فضيلة يفتقدها الكثير من الكتاب والصحفيين، وحتى أثبت له حسن النوايا أعده ألاّ أقترب من مساحته، وأني سأمتنع عن الكتابة في حال غيابه، وربما أمتنع نهائياً عنها في حالة إصراره على قضية فك الارتباط معي في الصفحة الثالثة.