صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باسم ربيع التغيير والحرية بسطوا على أراضي وبُقع "الجمهورية"
نشر في الجمهورية يوم 07 - 03 - 2012

مساحات الأعمدة الصحافية وقوالب مقالاتها، تشبه إلى حدٍ كبير مساحات (الأراضي والبُقع) في الواقع المعاش؛ يمكن استعارة المشهد بكامل مساحته، وعلى طبيعة شكله الواضح، ما يميز هذا التشابه.
النصيب الوافر الذي تحظى به الصحافة، لو جرى إنشاء المقارنة، وعبر ما يمكن أن نطلق عليهم بالمتنفذين من أصحاب الأقلام والوجاهات في مهنتنا الصحافية، وأيضاً صيدها الثمين من هذه المساحات عبر ركض زملائنا هنا، ربما لأن للصحافة جاذبيتها المعهودة، ولا أحد يدرك سرها الآسر أكثر من أبنائها، على الرغم من أنها توصف بمهنة المتاعب.
وصفها الشاق المخيف، لا يناسب سواها والمشتغلين فيها، إلا أنها تظل في مسيرتها الحافلة تغوي الصحافيين بلا هوادة، وتأخذ خصوصيتها من مهامها المتعددة، أهمها الحضور المشرف في مختلف الظروف الأكثر تعقيداً في الأوقات الصعبة الخطيرة منها والآمنة، تقدم زادها اليومي بانتظام، كما ينتظرها الجمهور المتعطش بفارق الصبر.
وكلما ازدادت تمسكاً بتقديم ما يناسب الناس، شعروا بأنهم أكثر حاجة إليها.
خطها المهني الأخلاقي له دلالاته لدى القارئ الذكي، إنه العامل الرئيس في تطبيع العلاقة بينها والمجتمع، ودون أدنى شك يزيدها تألقاً كما يخلصها من اللون والطابع الواحد المهين ذي المذاق السمج.
لهذه (الجريدة) تجربتها، استطاعت أن تلتقط اللحظة المناسبة، تخلصت من قالب الرسمية وسطوة الحكومية، حيث التحقت بالثورة، واكبت التغيير بما يناسبها، ومنذ ما يزيد عن ثلاثة أشهر تقريباً، تتخذ هذه المطبوعة خطاً تحريرياً مغايراً، ويلتقي مجموعة من الصحافيين والكتاب، من اليسار واليمين، من الاشتراكيين، والإصلاحيين، والمؤتمريين والناصريين، واليهود، والنصارى والحيارى.. التقوا ضالتهم المنشودة على هذه الصفحات، لتبقى ساحة مناسبة للمواجهات اللذيذة، وإن كانت مرة.
باتت جمهوريتهم الحرة (المستقلة)، لكنها مكشوفة للجميع، ولا يمكن لها بعد اليوم أن تفكر بالعودة للخلف، تفضل أن تتكيف بأدائها لصالح جهة بعينها، أو تعمل لحساب طرف ينوي الاستحواذ بنصيب وافر من أراضيها والمساحات.
يدرك الآن الصحافيون قبل غيرهم بأنها استطاعت أن تفلت من مقص الرقيب ومهمة زوار الفجر، لذلك يطلقون عليها بأنها أول صحيفة حققت “السبق”، وهذه ميزتها هي.
لا تتمتع بها في هذه اللحظات صحف ولدت مستقلة، ويعشق الصحافي فكرة السبق، ووحدها تمنحه الصدارة، كما يشعر معها بمتعة التعب، وقيمته.
لا أريد الخوض في متاهات بعض الإصدارات ودهاليزها، التي ترغب بأن يطلق عليها صحف أو تتشدق بأنها تنتهج العمل الصحافي؛ الرسمية منها أسيرة ماضيها الممجوج، أو تلك (مستقلة، حزبية، أهلية) أغلبها بعد الظهور انتهجت خط سير المموّل، إصدارها يجري وفق مزاجه السياسي الغبي، وهو ما يبقي على سياستها التحريرية راضخة للمغدق.
هذه ليست دعوة لإقصاء أحد ومقاطعته، القارئ بات يسبقنا جميعاً، يدرك ما الذي يريد؟ ولماذا يزور المكتبات وماذا يقتني؟.
لكلٍّ صحيفته المحترمة، ولمشاريع الإعاشة وأصحابها رصيفهم المكدس، لكن الألم الذي يعتصر معظم الصحافيين المهنيين أن تلك الصحف يقف على إدارتها زملاء، عرفناهم منذ سنوات بالمهنيين، وسرعان ما تساقطوا كأوراق الخريف، وتبدلت معهم وبهم الصحافة إلى فئات من نوع البطاقات البنكية وصفقات التضليل والتطبيل، ارتهنوا لمن يدفع أكثر، ينتظرون مكالمات زبائن المساء والنهار، وذلك ما أساء لهذه المهنة، ظل يشوهها من الداخل قبل الخارج، لم نعد نرجو من أصحابها سوى إعادة ولو شيء بسيط من السمعة للورق الأبيض الملطخ بحبر تجارتهم، وبقيمة مهنية الصحافة المحترمة، وليس إنقاذاً لها قبل إنقاذ سمعتهم الصحافية.
صدقوني يدرك مرتادو الأكشاك اليوم حالة الحذلقة والخداع المعلن، باتوا يميزون الغث من السمين، كما بتنا نشاهد صحفاً يومية وأخرى أسبوعية تتراكم كل يوم على رفوف الأكشاك وتحت طاولات المكتبات.
أخبرني صاحب مكتبة النداء وسط شارع بغداد – صنعاء - أنه يبيع (من هذه المطبوعة) بما قيمته ثلاثون ألف ريال ويزيد خلال الشهر الماضي، مع أنه كان في السابق يبيع بثلاثة آلاف ريال فقط خلال شهر، كما قال الموزع أيضاً: “عاده يرفض أن يزيد لي على الكمية الذي آخذها الآن”.
لا أريد أن أذكر بأن هذا ناتج للتحول الذي تسلكه “الجمهورية”، ولست معنياً بالثناء عليها، غير أنني أحد المنتمين إلى هذه المتهمة، وأطمح إلى أن تصبح كل المطبوعات والإصدارات الصحافية على هذا المسار الحر.
لم تأتِ هذه الصحيفة بجديد أكثر من التخلص من خطها التحريري الرديء، وشكلها الكئيب، كما أن سقفها الذي كان منخفضاً ومنخفضاً جداً ارتفع وانتهى الأمر.
ونأمل أن (نخلعه) إلى الأبد، يكره الصحافي الأسقف المنخفضة كالعالية التي لا يطالها الضمير المهني، وحتى الجدران المحيطة، إذ تحجب الرؤية، وتمنعه من الاستمتاع برؤية الطبيعة بحدائقها ونظارتها والسماء بنجومها ومشاهدة القمر، مهنة الصحافة بمختلف وسائلها، لديها من الأفلاك والكواكب والنجوم ما يكفي أن يطيل النظر إليها، إنها البر والبحار والطبيعة بكل تفاصيله.
وذلك ما يقوم به الآن قراء هذه الصحيفة، ويدركون الفارق بين طبيعتها المريحة، سمائها الشيقة، وليل شقيقاتها الدامس، فلا خضرة تحتويها ولا نجوم ولا سماء، لا شيء غير كآبة التدليس والتزييف تلبد أفق الصحافة الحالك بطبيعتها المجدبة.
لا يريد الصحافي أكثر من نقطة ضوء ناصعة.. أكثر من مساحة حرية، كنا ننتظرها.. بحثنا عنها طويلاً، وهاهي تقفز من حضن هذه المحبوبة وصدرها، قالوا ذات يوم بأن “جمهوريتنا” خرجت عن المألوف، يومها صرخنا: ما الذي تريدونه منا ومن حياتنا الورقية التي تنمو بالعرق والحبر؟.
نريد تخليصكم وتخليص أنفسنا ومهنتنا من ذل نشط لازمتنا عقوده.. إننا نرغب إطعامها من حقيقة الواقع المر لا من شبهات الكذب التي أورثتنا وإياها عقودهم السوداء، بكل هالة الزيف والإحباط والدمار على كل المستويات، والتهم منا ومن مهنتنا ألذ سنينها.
إن أي عمل صحافي يطور نفسه من داخل التجربة، والآن بدأنا، من هنا نسترجع حقيقة الصحافة الحرة، دور المهنة الحقيقية، من على صدر هذه المطبوعة.
تواصلنا مع الناس، نحاول أن نعيد بنا جسر الثقة المدمر، نحاول كل صباح ترميم علاقاتنا المشروخة المتهالكة بمحيطنا، فلا تستغربوا أن (يشهق فجر الزميل عبدالرحمن بجاش، من هنا، ويبقى عبدالله الصعفاني مصلوباً فوق (فاصلة ونقطة) في مؤخرة الصحيفة، وتتبعهم بعض الأسماء من فريق صحافيي مؤسسة “الثورة”.
على ما يبدو الزملاء وغيرهم من الصحافيين والكتاب هناك،(تربطني بهم علاقة طيبة) يرزحون تحت طائلة الشكل القديم لصحيفتهم حتى اللحظة، وذلك يجعلهم ينزحون إلى صحيفة “الجمهورية”، طلباً لفائض الحرية، استنجاداً بلحظة فضاء صحافي واسع.
هل عليّ الآن أن اقترح على الزميل سمير اليوسفي - رئيس مجلس إدارة الجمهورية - أن يغير ترويسة الصفحة الأخيرة من “الجمهورية” إلى ترويسة (النازحين)، ويجري تعريفها على هذا النحو: إن هذه الصفحة تعنى بالنازحين: مقالاتهم، إبداعاتهم، وتنفيسهم على شظف محبط يجري تصديره إليهم بقصد ودون قصد.
بصراحة أنا أشعر بالتذمر من الزملاء، الذين أصطدم بهم صباح كل يوم مشنوقين أعلى وأسفل هذه الصفحات، خاصة ممن يمتلكون صحفاً أو يعملون فيها، أشفق على حالتهم المقيدة هناك في صحفهم، مع بقائهم هنا عالقين كمن يطلب النجدة.
وأتساءل، هل من الضروري أن يطل علينا – مثلاً – الزميل عبدالرحمن بجاش أو عبدالله الصعفاني أو أحمد عثمان من هذه الصفحة أو تلك؟.
لماذا لم تخصص مساحات وأعمدة في صحيفة “الثورة” أو “الصحوة” و”الثوري” و”أكتوبر” وغيرها من الصحف؟.
لهؤلاء المتدفقين بكلماتهم كأن مساحة الحرية هذه كتبت علينا أن نبتلعها على مضض، بمجاورتنا لهم، شعرنا بأن التغيير يجري فعلاً، غير أننا بدأنا الآن ندرك بأن “الثورات تولد الاستبداد”، ولا نريده من هنا.
إن التغيير تحقق، ويجب أن نتعامل نحن وأنتم على هذا الأساس، لا نريد أن نشعر بالتوريث: (أبناء الجمهورية لا يورثون للإخوة والأشقاء من أبناء الثورة أو حتى الصحوة).
لقد رحل “صالح”، صار الرئيس السابق، كما أن “مهدي مقولة” و”قيران” وغيرهم من أصحاب الألقاب والأوسمة المرصعين بالنياشين، بعضهم غادروا مواقعهم ويجري ترحيل الآخرين تباعاً.
لا نرغب ب (مقاولة وقيارنة) جدد، يعيدون لنا إنتاج ثقافة نهب الأراضي والبسط وحجز البُقع، يجب أن تنتهي، تلك مخلفاتهم وتركتهم الخبيثة، نرفضها جملة وتفصيلاً.
يا رئيس مجلس الإدارة يا رئيس التحرير، أين أنتم يا نواب الإدارات الإخبارية في السكرتارية، (الثقافية، والعلمية الرياضية، في التحقيقات، والتقارير، والمقالات)؟ أرجوكم قوموا بمهامكم، خلصونا من سياسة الفيد المقيتة، لا نريد البسط وتسوير الأراضي والبُقع ينتقل إلى بلاط صاحبة الجلالة، أعرف أن (بُقع) الصحافة الآن صارت مهيأة لأن تصير (بقعاً) لأصحاب مد النفوذ والرتب القريبين من رئيس التحرير أو الذين تناولوا الغداء وقضوا معه جلسة مقيل قبل خمس سنوات.
ولكن لا يمكن لهم أن يستقوا بالأيام الخوالي معه، أو مع بقية الزملاء في هذه الصحيفة.
لا (سمير) عقيد متقاعد، ولا زملاؤه مرافقون يكتفون بالهنجمة والنخيط، ولطالما حصلت “الجمهورية” على حق السبق، علينا أن نشعر معهم بذلك، على العصافير أن تأكل مع الغربان والحمائم، وعلى المشردين - في عالم هذه المعشوقة مثلنا - أن يجدوا لهم ولو شجرة يتفيأوا ظلها وظلالها.
سامحني يا بجاش وعثمان والآخرين؛ حينما كتبت للسبت قالوا: إن الافتتاحية ومن الصفحة الأخيرة جاهزة، وعندما تجاهلت الأحد ونصر طه مصطفى، فكرت بيوم الاثنين وجدت عبده الجندي حاملاً بقشته يتقفز بها بكرشه المندلق أمامه، من قرية إلى قرية ومن مقهى إلى آخر، لايزال يفكر بالإخلاص الأول لمن تفضل عليه بقلص شاي، كما نصحه والده ذات يوم.
تساءلت عن مساحة الثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، كان طابور طويل من الحاجزين والمنتظرين، يتصلون باليوسفي، ويبحثون معه آليات وسبل نقل الصحيفة وشخصيتها إلى مستويات أفضل، هؤلاء كانوا غائبين طيلة السنوات الماضية.
فجأة نطوا إلى كل الصفحات، أغرقوها برسائلهم وبكل الطرق، الفكسات ترن، والإيميلات تئن، أزعجونا بهذه التنظيرات الخرقاء، يا كتاب اللحظة أين كنتم مشغولين كل الزمن القاسي علينا وعلى هذه المخطوفة؟ دعوا لنا يوماً نندب حظنا على الزمن المغتصب من أول صفحة إلى آخر صفحة، امنحونا فرص الغناء بصوت مرتفع في حفلاتكم التنكرية المنفردة.
مللت من كثرة العروض التي تلقيتها، توزعت معها هنا وهناك، داخل هذه الجريدة وخارجها، لم تكن جميعها أبعد من فحيح صحافي واسع.
يجب أن يفهم الجميع بأني لا أريد أن أستأجر بقعة أحمد عثمان التي سوّرها قبل شهرين أو يزيد وكتب على حائطها (شوارد) كأنه يقول لنا: ممنوع الاقتراب، هذه المساحة أصبحت في ملكية عثمان.
لا أريد أن أخبر عبدالرحمن بجاش بأنني أتآمر مع مجموعة من النافذين في هذه المؤسسة للإطاحة بشهقته، بقصد الاستيلاء على أرضيته المحوّطة التي ربما اتخذ قراراً بأن تكون مزرعة يحرثها بيده ويزرعها ولا يقطف ثمارها غيره عند الفجر.
وبخصوص أرضية (نقطة وفاصلة) التي تتبع عبدالله الصعفاني، خلف حديقة (خارج المألوف) التي أسسها ويملكها منير الماوري, يحضى هذان الزميلان بمساندة مشايخ القبائل ومجاميع مسلحة، استقدمها الأول من حراز والآخر من رداع، وأنا من أصحاب تعز لا قبيلة لي وليس معي سلاح، بالإضافة إلى شعوري بتواطؤ داخلي يجري افتعاله داخل هذه المؤسسة يصعب ترويضه يتمتع به الماوري مع رئيس التحرير، وقد يكون امتد حتى آخر شخص في بوابة المؤسسة، ولمن لا يعرف لماذا هذا التواطؤ؛ لأن هذا (الماوري) ببساطة يوقع إلى جوار اسمه (من واشنطن)، وهذا في العرف الصحافي يُدول الصحيفة، أما الصعفاني الذي يعرف بانتمائه وإخلاصه لدائرة إعلام حزب الحصان، عليه أن يقابل أحمد عثمان الهابط توا من حزب الشمس.
وعليه يجب أن تتساوى المساحات بالسنتيمتر، ويبقى الشارع الذي يقطع الأرضيتين متاحاً وواسعاً، يمر عبره أصحاب (الحافلات والعربات المستعجلين وسائقي الشيولات والموتورات، وحتى أصحاب المواكب من المسؤولين الذين يرغبون بالتمشية، وأخذ نزهة قصيرة، في شوارع وأرصفة “الجمهورية”: حمود الصوفي مثلاً، وعلي حسن الشاطر أو أحمد مغلس أحياناً؛ حتى تظل طريقاً للناس العاديين مثل الصديق صاحب الرأس الضرجاح (كما يسميه الزميل مصطفى راجح)؛ لأنه رأس سامي نعمان ضخم ممتلئ، هو الآخر لم يعد يتصل بي كما كان أو يزورني، قرر مؤخراً أن يكون ديبلوماسياً لحساب السفارة الكويتية بصنعاء، ولا أعرف ما الذي يريده من الكتابة والمرور هنا، آخر هذه الصحيفة أو تحت مصباح الإضاءة على رصيف “الجمهورية” صباح السبت.
دعوني أعترف لكم بأنني بعد كل هذا التسوير والتسابق المحموم على مساحة مستقلة هنا، فكرت طويلاً بأن أبسط على بقعة الدكتور عمر عبدالعزيز(يوميات) هذا من أبناء الجنوب، رجل بسيط مقيم في الإمارات، لا قبيلة له ولا مجاميع مسلحة ولا بلطجية. أراه هو الفيد وهدفي السهل، وهي بالمرة مواصلة لسلوكيات وممارسات رجل شمالي على أرضية آخر جنوبي.
لكن سأنتظر قليلاً، قد يجري مباشرة ذلك في حالة رفض الزميل (مصطفى راجح) العرض الذي قدمته إليه قبل شهر من الآن، أوشكت مدته أن تنتهي، طالبته بأن أدفع من (خمسة إلى عشرة آلاف ريال) مقابل استئجار بقعته المحجوزة هنا في حي “الجمهورية” الأخير شارع الإضاءة، ليوم الخميس من كل أسبوع.
اتفقنا في السابق، لكنني بدأت أشعر برائحة المماطلة، مع مرور مدة لا بأس بها، إحساسي يكبر أن راجح سيتصل بي في الغد، بعد أن يكون أعد خطة محكمة، سيطلب مني أن أذهب إلى أي مخلف، ولا أشك بأنه يوعز من خلال مكالمته الخبيثة، وبعد أن يكون حذرني وتوعد وقال: (ايش معاك أنت.. يعني ما حصلتني إلا أنا، أنا يا الله وحصلت هذه البقعة وسورتها، سير ابصر لك أي مخلف).
أعرف أنه يدفعني إلى (مخلف صُعيب)، وهذه أرضية يمكن قياسها على مساحة لا تتعدى (لبنة ونص)، أشعر أنها تتناقص، وذلك لا يثير اهتمامي، مع أنها على ثلاثة شوارع، وتستمد أهميتها هذه من كونها في الصفحة الثالثة، مساحتها قابلة لأن تضيق وتتسع.
لكن من يقنع الزميل (أبو النصر) أني مجرد مستأجر،لا شيء يجبرني على الإقامة، ولا أرغب بالبقاء طويلاً هنا في مخلفه الصُعيب؛ لأنه من الصعب أن أقنع فتحي بالتنازل عن مخلافه، إنه ملاذه الأخير وسط كل هذا الاستقطاع، والتأميم الروحي.. الزماني والمكاني، هذا المخلاف شرفة فتحي.. طائرته الشراعية المحلقة، قاربه المسترخي هناك، حيث مرفأ البوح في أقاصي لحظات الضجر والضجيج، والفرح، هذا المخلاف لي يا صديقي؛ هكذا سيقول لي: أخاف أن تصادره المساءات القادمة على عجل، أخشى أن تخذلني موسيقاه الهاربة من فم الزمن..لا يتقنها سوى مثلي في مخلف الغرباء، هكذا سيتمدد فوق كلماته ويكرر ويعيد، ما يمكن وما لا يمكن أن التقطه، ويقفز في كل الاتجاهات في لحظة واحدة، وهو يردد : أنا رب هذا المخلاف.. سأتركه “يا رب المخلاف ضيّق مخلافك..” يا رب المخلاف انزع مخلافك”.
وفي مثل هذا التأميم المجاني والمدفوع، ويجري في سهول وقلاع هذه الجمهورية الملغومة المختطفة والمنهوبة، كما تشهد حالتها التي تصطدم كل يوم بعناد أصحابها من الزملاء الصحافيين والكتاب المواظبين كل طلعة شمس، يجترحون طريق عيوننا ووجوهنا، ممن ظلوا زمناً مختبئين خلف خوفهم.
لم يتبقَ لي وفي حوزتي سوى زيارة أحمد الزرقة، أشعر الآن أنه أقرب منكم جميعاً، يا ناهبي المساحات الخضراء والزرقاء من البُقع والأراضي، في زمن الثورات والجمهوريات، كأنكم تثأرون من كل هذا التغيير، تستحلوا حرمة الحبر وبياض الورق الناصع بأصم الحرية، تريدون أن تلطخوها في زمن الخلاص من الديكتاتورية، تطمحون للنهب والسلب، في لحظة يشهد فيها الوطن إعادة الحقوق إلى أصحابها، هل يجري استعادة الشكل القديم لجمهوريتنا الضيقة، تحت اسم الانفتاح والتسامح؟.
أنا لا أشعر بذلك سوى أن شيطان الظنون بدأ يوزع منشوراته السرية التحذيرية في الداخل،عليكم أن تثبتوا نيتكم وتتنازلوا عن هذه الأسوار المشيدة بعناوينها المرنجة، بكل الألوان.. هل صارت غرف نومكم الصباحية والمسائية؟، من حقكم أن تستريحوا وتستصرخوا، لكن ليس على حساب أعصابنا وتطلعاتنا وأحلامنا التي نشعر بأنها تعاود التأجيل مجدداً.
يا ناكري الثورة.. يا ناهبي “الجمهورية”، اتركوا لنا ولو مساحة واحدة فوق جغرافية جمهوريتنا المترامية الأطراف.. انزلوا، وتنازلوا قليلاً عن سهولها والتلال، وديانها الداخلية بشعابها ودروبها واسعة بما يكفي للحرث والزرع، ستنبتون هناك كما تحبون.
لم أعد أرغب بالإقامة إلى جواركم، أو حتى بالقيام برحلات صيد برفقتكم في واحة جمهوريتكم، جمهورية الجوارح والهوام، لا أفكر سوى أن أكون قيداً في زاوية الركن الصحافي القصي حيث (بلا قيود) حتى ولو أصبح ذلك مدعاة للسجن والقيد في ظل صاحبة الجلالة.
أجلها رب التحرير، وخلصها من كل المتنفذين، من أصحاب المشاريع الإقطاعيين القدماء والجدد، الشاردين والشاهقين، الخارجين عن المألوف، والقائمين في نقطة وفاصلة، هناك في مخلف صُعيب، أو تحت أعمدة أضواء “الجمهورية” السوداء، وبعيداً عن قيودها المضروبة من الصفحة الأولى وحتى الأخيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.