منذ بدء عمله.. مسام ينزع أكثر من نصف مليون لغم زرعتها مليشيا الحوثي الارهابية    مجموعة هائل سعيد: نعمل على إعادة تسعير منتجاتنا وندعو الحكومة للالتزام بتوفير العملة الصعبة    عدن .. جمعية الصرافين تُحدد سقفين لصرف الريال السعودي وتُحذر من عقوبات صارمة    العملة الوطنية تتحسّن.. فماذا بعد؟!    انتشال جثث مهاجرين أفارقة غرقوا قبالة سواحل زنجبار بمحافظة أبين    توقعات باستمرار هطول امطار متفاوة على مناطق واسعة من اليمن    اكتشاف مدينة غامضة تسبق الأهرامات بآلاف السنين    تسجيل هزة ارتدادية بقوة 6.8 درجة شرقي روسيا    أمين عام الإصلاح يعزي عضو مجلس شورى الحزب صالح البيل في وفاة والده    الحكومة تبارك إدراج اليونسكو 26 موقعا تراثيا وثقافيا على القائمة التمهيدية للتراث    خيرة عليك اطلب الله    الرئيس الزُبيدي يطّلع على جهود قيادة جامعة المهرة في تطوير التعليم الأكاديمي بالمحافظة    مليشيا الحوثي الإرهابية تختطف نحو 17 مدنياً من أبناء محافظة البيضاء اليمنية    صحيفة أمريكية: اليمن فضح عجز القوى الغربية    طعم وبلعناه وسلامتكم.. الخديعة الكبرى.. حقيقة نزول الصرف    شركات هائل سعيد حقد دفين على شعب الجنوب العربي والإصرار على تجويعه    الشيخ الجفري: قيادتنا الحكيمة تحقق نجاحات اقتصادية ملموسة    بعد إخفاق يحيى.. جيسوس يطلب ظهيرا أيسر    يافع تثور ضد "جشع التجار".. احتجاجات غاضبة على انفلات الأسعار رغم تعافي العملة    رائحة الخيانة والتآمر على حضرموت باتت واضحة وبأيادٍ حضرمية    نيرة تقود «تنفيذية» الأهلي المصري    عمره 119 عاما.. عبد الحميد يدخل عالم «الدم والذهب»    لم يتغيّر منذ أكثر من أربعين عامًا    السعودي بندر باصريح مديرًا فنيًا لتضامن حضرموت في دوري أبطال الخليج    العنيد يعود من جديد لواجهة الإنتصارات عقب تخطي الرشيد بهدف نظيف    غزة في المحرقة.. من (تفاهة الشر) إلى وعي الإبادة    صحيفة امريكية: البنتاغون في حالة اضطراب    الاستخبارات العسكرية الأوكرانية تحذر من اختفاء أوكرانيا كدولة    قادةٌ خذلوا الجنوبَ (1)    مشكلات هامة ندعو للفت الانتباه اليها في القطاع الصحي بعدن!!    إغلاق محال الجملة المخالفة لقرار خفض أسعار السلع بالمنصورة    لهذا السبب؟ .. شرطة المرور تستثني "الخوذ" من مخالفات الدراجات النارية    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة نذير محمد مناع    تكريمًا لتضحياته.. الرئيس الزُبيدي يزيح الستار عن النصب التذكاري للشهيد القائد منير "أبو اليمامة" بالعاصمة عدن    لاعب المنتخب اليمني حمزة الريمي ينضم لنادي القوة الجوية العراقي    تدشين فعاليات المولد النبوي بمديريات المربع الشمالي في الحديدة    عدن.. تحسن جديد لقيمة الريال اليمني مقابل العملات الاجنبية    سون يعلن الرحيل عن توتنهام    محمد العولقي... النبيل الأخير في زمن السقوط    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    تقرير حكومي يكشف عن فساد وتجاوزات مدير التعليم الفني بتعز "الحوبان"    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    مأرب.. مسؤول أمني رفيع يختطف تاجراً يمنياً ويخفيه في زنزانة لسنوات بعد نزاع على أموال مشبوهة    ذمار.. سيول جارفة تؤدي لانهيارات صخرية ووفاة امرأة وإصابة آخرين    أولمو: برشلونة عزز صفوفه بشكل أفضل من ريال مدريد    لاعب السيتي الشاب مصمّم على اختيار روما    تعز .. الحصبة تفتك بالاطفال والاصابات تتجاوز 1400 حالة خلال سبعة أشهر    من أين لك هذا المال؟!    كنز صانته النيران ووقف على حراسته كلب وفي!    دراسة تكشف الأصل الحقيقي للسعال المزمن    ما أقبحَ هذا الصمت…    لمن لايعرف ملابسات اغتيال الفنان علي السمه    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    وداعاً زياد الرحباني    اكتشاف فصيلة دم جديدة وغير معروفة عالميا لدى امرأة هندية    7 علامات تدل على نقص معدن مهم في الجسم.. تعرف عليها    العلامة مفتاح يؤكد أهمية أن يكون الاحتفال بالمولد النبوي هذا العام أكبر من الأعوام السابقة    رسالة نجباء مدرسة حليف القرآن: لن نترك غزة تموت جوعًا وتُباد قتلًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باسم ربيع التغيير والحرية بسطوا على أراضي وبُقع "الجمهورية"
نشر في الجمهورية يوم 07 - 03 - 2012

مساحات الأعمدة الصحافية وقوالب مقالاتها، تشبه إلى حدٍ كبير مساحات (الأراضي والبُقع) في الواقع المعاش؛ يمكن استعارة المشهد بكامل مساحته، وعلى طبيعة شكله الواضح، ما يميز هذا التشابه.
النصيب الوافر الذي تحظى به الصحافة، لو جرى إنشاء المقارنة، وعبر ما يمكن أن نطلق عليهم بالمتنفذين من أصحاب الأقلام والوجاهات في مهنتنا الصحافية، وأيضاً صيدها الثمين من هذه المساحات عبر ركض زملائنا هنا، ربما لأن للصحافة جاذبيتها المعهودة، ولا أحد يدرك سرها الآسر أكثر من أبنائها، على الرغم من أنها توصف بمهنة المتاعب.
وصفها الشاق المخيف، لا يناسب سواها والمشتغلين فيها، إلا أنها تظل في مسيرتها الحافلة تغوي الصحافيين بلا هوادة، وتأخذ خصوصيتها من مهامها المتعددة، أهمها الحضور المشرف في مختلف الظروف الأكثر تعقيداً في الأوقات الصعبة الخطيرة منها والآمنة، تقدم زادها اليومي بانتظام، كما ينتظرها الجمهور المتعطش بفارق الصبر.
وكلما ازدادت تمسكاً بتقديم ما يناسب الناس، شعروا بأنهم أكثر حاجة إليها.
خطها المهني الأخلاقي له دلالاته لدى القارئ الذكي، إنه العامل الرئيس في تطبيع العلاقة بينها والمجتمع، ودون أدنى شك يزيدها تألقاً كما يخلصها من اللون والطابع الواحد المهين ذي المذاق السمج.
لهذه (الجريدة) تجربتها، استطاعت أن تلتقط اللحظة المناسبة، تخلصت من قالب الرسمية وسطوة الحكومية، حيث التحقت بالثورة، واكبت التغيير بما يناسبها، ومنذ ما يزيد عن ثلاثة أشهر تقريباً، تتخذ هذه المطبوعة خطاً تحريرياً مغايراً، ويلتقي مجموعة من الصحافيين والكتاب، من اليسار واليمين، من الاشتراكيين، والإصلاحيين، والمؤتمريين والناصريين، واليهود، والنصارى والحيارى.. التقوا ضالتهم المنشودة على هذه الصفحات، لتبقى ساحة مناسبة للمواجهات اللذيذة، وإن كانت مرة.
باتت جمهوريتهم الحرة (المستقلة)، لكنها مكشوفة للجميع، ولا يمكن لها بعد اليوم أن تفكر بالعودة للخلف، تفضل أن تتكيف بأدائها لصالح جهة بعينها، أو تعمل لحساب طرف ينوي الاستحواذ بنصيب وافر من أراضيها والمساحات.
يدرك الآن الصحافيون قبل غيرهم بأنها استطاعت أن تفلت من مقص الرقيب ومهمة زوار الفجر، لذلك يطلقون عليها بأنها أول صحيفة حققت “السبق”، وهذه ميزتها هي.
لا تتمتع بها في هذه اللحظات صحف ولدت مستقلة، ويعشق الصحافي فكرة السبق، ووحدها تمنحه الصدارة، كما يشعر معها بمتعة التعب، وقيمته.
لا أريد الخوض في متاهات بعض الإصدارات ودهاليزها، التي ترغب بأن يطلق عليها صحف أو تتشدق بأنها تنتهج العمل الصحافي؛ الرسمية منها أسيرة ماضيها الممجوج، أو تلك (مستقلة، حزبية، أهلية) أغلبها بعد الظهور انتهجت خط سير المموّل، إصدارها يجري وفق مزاجه السياسي الغبي، وهو ما يبقي على سياستها التحريرية راضخة للمغدق.
هذه ليست دعوة لإقصاء أحد ومقاطعته، القارئ بات يسبقنا جميعاً، يدرك ما الذي يريد؟ ولماذا يزور المكتبات وماذا يقتني؟.
لكلٍّ صحيفته المحترمة، ولمشاريع الإعاشة وأصحابها رصيفهم المكدس، لكن الألم الذي يعتصر معظم الصحافيين المهنيين أن تلك الصحف يقف على إدارتها زملاء، عرفناهم منذ سنوات بالمهنيين، وسرعان ما تساقطوا كأوراق الخريف، وتبدلت معهم وبهم الصحافة إلى فئات من نوع البطاقات البنكية وصفقات التضليل والتطبيل، ارتهنوا لمن يدفع أكثر، ينتظرون مكالمات زبائن المساء والنهار، وذلك ما أساء لهذه المهنة، ظل يشوهها من الداخل قبل الخارج، لم نعد نرجو من أصحابها سوى إعادة ولو شيء بسيط من السمعة للورق الأبيض الملطخ بحبر تجارتهم، وبقيمة مهنية الصحافة المحترمة، وليس إنقاذاً لها قبل إنقاذ سمعتهم الصحافية.
صدقوني يدرك مرتادو الأكشاك اليوم حالة الحذلقة والخداع المعلن، باتوا يميزون الغث من السمين، كما بتنا نشاهد صحفاً يومية وأخرى أسبوعية تتراكم كل يوم على رفوف الأكشاك وتحت طاولات المكتبات.
أخبرني صاحب مكتبة النداء وسط شارع بغداد – صنعاء - أنه يبيع (من هذه المطبوعة) بما قيمته ثلاثون ألف ريال ويزيد خلال الشهر الماضي، مع أنه كان في السابق يبيع بثلاثة آلاف ريال فقط خلال شهر، كما قال الموزع أيضاً: “عاده يرفض أن يزيد لي على الكمية الذي آخذها الآن”.
لا أريد أن أذكر بأن هذا ناتج للتحول الذي تسلكه “الجمهورية”، ولست معنياً بالثناء عليها، غير أنني أحد المنتمين إلى هذه المتهمة، وأطمح إلى أن تصبح كل المطبوعات والإصدارات الصحافية على هذا المسار الحر.
لم تأتِ هذه الصحيفة بجديد أكثر من التخلص من خطها التحريري الرديء، وشكلها الكئيب، كما أن سقفها الذي كان منخفضاً ومنخفضاً جداً ارتفع وانتهى الأمر.
ونأمل أن (نخلعه) إلى الأبد، يكره الصحافي الأسقف المنخفضة كالعالية التي لا يطالها الضمير المهني، وحتى الجدران المحيطة، إذ تحجب الرؤية، وتمنعه من الاستمتاع برؤية الطبيعة بحدائقها ونظارتها والسماء بنجومها ومشاهدة القمر، مهنة الصحافة بمختلف وسائلها، لديها من الأفلاك والكواكب والنجوم ما يكفي أن يطيل النظر إليها، إنها البر والبحار والطبيعة بكل تفاصيله.
وذلك ما يقوم به الآن قراء هذه الصحيفة، ويدركون الفارق بين طبيعتها المريحة، سمائها الشيقة، وليل شقيقاتها الدامس، فلا خضرة تحتويها ولا نجوم ولا سماء، لا شيء غير كآبة التدليس والتزييف تلبد أفق الصحافة الحالك بطبيعتها المجدبة.
لا يريد الصحافي أكثر من نقطة ضوء ناصعة.. أكثر من مساحة حرية، كنا ننتظرها.. بحثنا عنها طويلاً، وهاهي تقفز من حضن هذه المحبوبة وصدرها، قالوا ذات يوم بأن “جمهوريتنا” خرجت عن المألوف، يومها صرخنا: ما الذي تريدونه منا ومن حياتنا الورقية التي تنمو بالعرق والحبر؟.
نريد تخليصكم وتخليص أنفسنا ومهنتنا من ذل نشط لازمتنا عقوده.. إننا نرغب إطعامها من حقيقة الواقع المر لا من شبهات الكذب التي أورثتنا وإياها عقودهم السوداء، بكل هالة الزيف والإحباط والدمار على كل المستويات، والتهم منا ومن مهنتنا ألذ سنينها.
إن أي عمل صحافي يطور نفسه من داخل التجربة، والآن بدأنا، من هنا نسترجع حقيقة الصحافة الحرة، دور المهنة الحقيقية، من على صدر هذه المطبوعة.
تواصلنا مع الناس، نحاول أن نعيد بنا جسر الثقة المدمر، نحاول كل صباح ترميم علاقاتنا المشروخة المتهالكة بمحيطنا، فلا تستغربوا أن (يشهق فجر الزميل عبدالرحمن بجاش، من هنا، ويبقى عبدالله الصعفاني مصلوباً فوق (فاصلة ونقطة) في مؤخرة الصحيفة، وتتبعهم بعض الأسماء من فريق صحافيي مؤسسة “الثورة”.
على ما يبدو الزملاء وغيرهم من الصحافيين والكتاب هناك،(تربطني بهم علاقة طيبة) يرزحون تحت طائلة الشكل القديم لصحيفتهم حتى اللحظة، وذلك يجعلهم ينزحون إلى صحيفة “الجمهورية”، طلباً لفائض الحرية، استنجاداً بلحظة فضاء صحافي واسع.
هل عليّ الآن أن اقترح على الزميل سمير اليوسفي - رئيس مجلس إدارة الجمهورية - أن يغير ترويسة الصفحة الأخيرة من “الجمهورية” إلى ترويسة (النازحين)، ويجري تعريفها على هذا النحو: إن هذه الصفحة تعنى بالنازحين: مقالاتهم، إبداعاتهم، وتنفيسهم على شظف محبط يجري تصديره إليهم بقصد ودون قصد.
بصراحة أنا أشعر بالتذمر من الزملاء، الذين أصطدم بهم صباح كل يوم مشنوقين أعلى وأسفل هذه الصفحات، خاصة ممن يمتلكون صحفاً أو يعملون فيها، أشفق على حالتهم المقيدة هناك في صحفهم، مع بقائهم هنا عالقين كمن يطلب النجدة.
وأتساءل، هل من الضروري أن يطل علينا – مثلاً – الزميل عبدالرحمن بجاش أو عبدالله الصعفاني أو أحمد عثمان من هذه الصفحة أو تلك؟.
لماذا لم تخصص مساحات وأعمدة في صحيفة “الثورة” أو “الصحوة” و”الثوري” و”أكتوبر” وغيرها من الصحف؟.
لهؤلاء المتدفقين بكلماتهم كأن مساحة الحرية هذه كتبت علينا أن نبتلعها على مضض، بمجاورتنا لهم، شعرنا بأن التغيير يجري فعلاً، غير أننا بدأنا الآن ندرك بأن “الثورات تولد الاستبداد”، ولا نريده من هنا.
إن التغيير تحقق، ويجب أن نتعامل نحن وأنتم على هذا الأساس، لا نريد أن نشعر بالتوريث: (أبناء الجمهورية لا يورثون للإخوة والأشقاء من أبناء الثورة أو حتى الصحوة).
لقد رحل “صالح”، صار الرئيس السابق، كما أن “مهدي مقولة” و”قيران” وغيرهم من أصحاب الألقاب والأوسمة المرصعين بالنياشين، بعضهم غادروا مواقعهم ويجري ترحيل الآخرين تباعاً.
لا نرغب ب (مقاولة وقيارنة) جدد، يعيدون لنا إنتاج ثقافة نهب الأراضي والبسط وحجز البُقع، يجب أن تنتهي، تلك مخلفاتهم وتركتهم الخبيثة، نرفضها جملة وتفصيلاً.
يا رئيس مجلس الإدارة يا رئيس التحرير، أين أنتم يا نواب الإدارات الإخبارية في السكرتارية، (الثقافية، والعلمية الرياضية، في التحقيقات، والتقارير، والمقالات)؟ أرجوكم قوموا بمهامكم، خلصونا من سياسة الفيد المقيتة، لا نريد البسط وتسوير الأراضي والبُقع ينتقل إلى بلاط صاحبة الجلالة، أعرف أن (بُقع) الصحافة الآن صارت مهيأة لأن تصير (بقعاً) لأصحاب مد النفوذ والرتب القريبين من رئيس التحرير أو الذين تناولوا الغداء وقضوا معه جلسة مقيل قبل خمس سنوات.
ولكن لا يمكن لهم أن يستقوا بالأيام الخوالي معه، أو مع بقية الزملاء في هذه الصحيفة.
لا (سمير) عقيد متقاعد، ولا زملاؤه مرافقون يكتفون بالهنجمة والنخيط، ولطالما حصلت “الجمهورية” على حق السبق، علينا أن نشعر معهم بذلك، على العصافير أن تأكل مع الغربان والحمائم، وعلى المشردين - في عالم هذه المعشوقة مثلنا - أن يجدوا لهم ولو شجرة يتفيأوا ظلها وظلالها.
سامحني يا بجاش وعثمان والآخرين؛ حينما كتبت للسبت قالوا: إن الافتتاحية ومن الصفحة الأخيرة جاهزة، وعندما تجاهلت الأحد ونصر طه مصطفى، فكرت بيوم الاثنين وجدت عبده الجندي حاملاً بقشته يتقفز بها بكرشه المندلق أمامه، من قرية إلى قرية ومن مقهى إلى آخر، لايزال يفكر بالإخلاص الأول لمن تفضل عليه بقلص شاي، كما نصحه والده ذات يوم.
تساءلت عن مساحة الثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، كان طابور طويل من الحاجزين والمنتظرين، يتصلون باليوسفي، ويبحثون معه آليات وسبل نقل الصحيفة وشخصيتها إلى مستويات أفضل، هؤلاء كانوا غائبين طيلة السنوات الماضية.
فجأة نطوا إلى كل الصفحات، أغرقوها برسائلهم وبكل الطرق، الفكسات ترن، والإيميلات تئن، أزعجونا بهذه التنظيرات الخرقاء، يا كتاب اللحظة أين كنتم مشغولين كل الزمن القاسي علينا وعلى هذه المخطوفة؟ دعوا لنا يوماً نندب حظنا على الزمن المغتصب من أول صفحة إلى آخر صفحة، امنحونا فرص الغناء بصوت مرتفع في حفلاتكم التنكرية المنفردة.
مللت من كثرة العروض التي تلقيتها، توزعت معها هنا وهناك، داخل هذه الجريدة وخارجها، لم تكن جميعها أبعد من فحيح صحافي واسع.
يجب أن يفهم الجميع بأني لا أريد أن أستأجر بقعة أحمد عثمان التي سوّرها قبل شهرين أو يزيد وكتب على حائطها (شوارد) كأنه يقول لنا: ممنوع الاقتراب، هذه المساحة أصبحت في ملكية عثمان.
لا أريد أن أخبر عبدالرحمن بجاش بأنني أتآمر مع مجموعة من النافذين في هذه المؤسسة للإطاحة بشهقته، بقصد الاستيلاء على أرضيته المحوّطة التي ربما اتخذ قراراً بأن تكون مزرعة يحرثها بيده ويزرعها ولا يقطف ثمارها غيره عند الفجر.
وبخصوص أرضية (نقطة وفاصلة) التي تتبع عبدالله الصعفاني، خلف حديقة (خارج المألوف) التي أسسها ويملكها منير الماوري, يحضى هذان الزميلان بمساندة مشايخ القبائل ومجاميع مسلحة، استقدمها الأول من حراز والآخر من رداع، وأنا من أصحاب تعز لا قبيلة لي وليس معي سلاح، بالإضافة إلى شعوري بتواطؤ داخلي يجري افتعاله داخل هذه المؤسسة يصعب ترويضه يتمتع به الماوري مع رئيس التحرير، وقد يكون امتد حتى آخر شخص في بوابة المؤسسة، ولمن لا يعرف لماذا هذا التواطؤ؛ لأن هذا (الماوري) ببساطة يوقع إلى جوار اسمه (من واشنطن)، وهذا في العرف الصحافي يُدول الصحيفة، أما الصعفاني الذي يعرف بانتمائه وإخلاصه لدائرة إعلام حزب الحصان، عليه أن يقابل أحمد عثمان الهابط توا من حزب الشمس.
وعليه يجب أن تتساوى المساحات بالسنتيمتر، ويبقى الشارع الذي يقطع الأرضيتين متاحاً وواسعاً، يمر عبره أصحاب (الحافلات والعربات المستعجلين وسائقي الشيولات والموتورات، وحتى أصحاب المواكب من المسؤولين الذين يرغبون بالتمشية، وأخذ نزهة قصيرة، في شوارع وأرصفة “الجمهورية”: حمود الصوفي مثلاً، وعلي حسن الشاطر أو أحمد مغلس أحياناً؛ حتى تظل طريقاً للناس العاديين مثل الصديق صاحب الرأس الضرجاح (كما يسميه الزميل مصطفى راجح)؛ لأنه رأس سامي نعمان ضخم ممتلئ، هو الآخر لم يعد يتصل بي كما كان أو يزورني، قرر مؤخراً أن يكون ديبلوماسياً لحساب السفارة الكويتية بصنعاء، ولا أعرف ما الذي يريده من الكتابة والمرور هنا، آخر هذه الصحيفة أو تحت مصباح الإضاءة على رصيف “الجمهورية” صباح السبت.
دعوني أعترف لكم بأنني بعد كل هذا التسوير والتسابق المحموم على مساحة مستقلة هنا، فكرت طويلاً بأن أبسط على بقعة الدكتور عمر عبدالعزيز(يوميات) هذا من أبناء الجنوب، رجل بسيط مقيم في الإمارات، لا قبيلة له ولا مجاميع مسلحة ولا بلطجية. أراه هو الفيد وهدفي السهل، وهي بالمرة مواصلة لسلوكيات وممارسات رجل شمالي على أرضية آخر جنوبي.
لكن سأنتظر قليلاً، قد يجري مباشرة ذلك في حالة رفض الزميل (مصطفى راجح) العرض الذي قدمته إليه قبل شهر من الآن، أوشكت مدته أن تنتهي، طالبته بأن أدفع من (خمسة إلى عشرة آلاف ريال) مقابل استئجار بقعته المحجوزة هنا في حي “الجمهورية” الأخير شارع الإضاءة، ليوم الخميس من كل أسبوع.
اتفقنا في السابق، لكنني بدأت أشعر برائحة المماطلة، مع مرور مدة لا بأس بها، إحساسي يكبر أن راجح سيتصل بي في الغد، بعد أن يكون أعد خطة محكمة، سيطلب مني أن أذهب إلى أي مخلف، ولا أشك بأنه يوعز من خلال مكالمته الخبيثة، وبعد أن يكون حذرني وتوعد وقال: (ايش معاك أنت.. يعني ما حصلتني إلا أنا، أنا يا الله وحصلت هذه البقعة وسورتها، سير ابصر لك أي مخلف).
أعرف أنه يدفعني إلى (مخلف صُعيب)، وهذه أرضية يمكن قياسها على مساحة لا تتعدى (لبنة ونص)، أشعر أنها تتناقص، وذلك لا يثير اهتمامي، مع أنها على ثلاثة شوارع، وتستمد أهميتها هذه من كونها في الصفحة الثالثة، مساحتها قابلة لأن تضيق وتتسع.
لكن من يقنع الزميل (أبو النصر) أني مجرد مستأجر،لا شيء يجبرني على الإقامة، ولا أرغب بالبقاء طويلاً هنا في مخلفه الصُعيب؛ لأنه من الصعب أن أقنع فتحي بالتنازل عن مخلافه، إنه ملاذه الأخير وسط كل هذا الاستقطاع، والتأميم الروحي.. الزماني والمكاني، هذا المخلاف شرفة فتحي.. طائرته الشراعية المحلقة، قاربه المسترخي هناك، حيث مرفأ البوح في أقاصي لحظات الضجر والضجيج، والفرح، هذا المخلاف لي يا صديقي؛ هكذا سيقول لي: أخاف أن تصادره المساءات القادمة على عجل، أخشى أن تخذلني موسيقاه الهاربة من فم الزمن..لا يتقنها سوى مثلي في مخلف الغرباء، هكذا سيتمدد فوق كلماته ويكرر ويعيد، ما يمكن وما لا يمكن أن التقطه، ويقفز في كل الاتجاهات في لحظة واحدة، وهو يردد : أنا رب هذا المخلاف.. سأتركه “يا رب المخلاف ضيّق مخلافك..” يا رب المخلاف انزع مخلافك”.
وفي مثل هذا التأميم المجاني والمدفوع، ويجري في سهول وقلاع هذه الجمهورية الملغومة المختطفة والمنهوبة، كما تشهد حالتها التي تصطدم كل يوم بعناد أصحابها من الزملاء الصحافيين والكتاب المواظبين كل طلعة شمس، يجترحون طريق عيوننا ووجوهنا، ممن ظلوا زمناً مختبئين خلف خوفهم.
لم يتبقَ لي وفي حوزتي سوى زيارة أحمد الزرقة، أشعر الآن أنه أقرب منكم جميعاً، يا ناهبي المساحات الخضراء والزرقاء من البُقع والأراضي، في زمن الثورات والجمهوريات، كأنكم تثأرون من كل هذا التغيير، تستحلوا حرمة الحبر وبياض الورق الناصع بأصم الحرية، تريدون أن تلطخوها في زمن الخلاص من الديكتاتورية، تطمحون للنهب والسلب، في لحظة يشهد فيها الوطن إعادة الحقوق إلى أصحابها، هل يجري استعادة الشكل القديم لجمهوريتنا الضيقة، تحت اسم الانفتاح والتسامح؟.
أنا لا أشعر بذلك سوى أن شيطان الظنون بدأ يوزع منشوراته السرية التحذيرية في الداخل،عليكم أن تثبتوا نيتكم وتتنازلوا عن هذه الأسوار المشيدة بعناوينها المرنجة، بكل الألوان.. هل صارت غرف نومكم الصباحية والمسائية؟، من حقكم أن تستريحوا وتستصرخوا، لكن ليس على حساب أعصابنا وتطلعاتنا وأحلامنا التي نشعر بأنها تعاود التأجيل مجدداً.
يا ناكري الثورة.. يا ناهبي “الجمهورية”، اتركوا لنا ولو مساحة واحدة فوق جغرافية جمهوريتنا المترامية الأطراف.. انزلوا، وتنازلوا قليلاً عن سهولها والتلال، وديانها الداخلية بشعابها ودروبها واسعة بما يكفي للحرث والزرع، ستنبتون هناك كما تحبون.
لم أعد أرغب بالإقامة إلى جواركم، أو حتى بالقيام برحلات صيد برفقتكم في واحة جمهوريتكم، جمهورية الجوارح والهوام، لا أفكر سوى أن أكون قيداً في زاوية الركن الصحافي القصي حيث (بلا قيود) حتى ولو أصبح ذلك مدعاة للسجن والقيد في ظل صاحبة الجلالة.
أجلها رب التحرير، وخلصها من كل المتنفذين، من أصحاب المشاريع الإقطاعيين القدماء والجدد، الشاردين والشاهقين، الخارجين عن المألوف، والقائمين في نقطة وفاصلة، هناك في مخلف صُعيب، أو تحت أعمدة أضواء “الجمهورية” السوداء، وبعيداً عن قيودها المضروبة من الصفحة الأولى وحتى الأخيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.