قالوا إنما سميت الحياة الدنيا، لأنها دنيئة وقيل لأنها تدنو لمن أعرض عنها، وقيل لأن طالبها يكون دنيء النفس ساقط الهمة، بدليل أن طلاب الدنيا يعيشون في معاناة ونصب، وأن هذه الدنيا لها ثمن غالٍ فهي تعطي بعضها لمن تأخذه كله.. تأخذ عليه آخرته ومروءته وصحته.. وقيل: إن الدنيا تجسدت للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بأبهى حلتها، فقال لها: (غري غيري فلقد طلقتك ثلاثاً). لقد ذم الله بكتابه الكريم هذه الحياة الدنيا واعتبرها لهواً ولعباً، وشبهها بالزرع، يخضرّ فيهيج فتراه مصفراً ثم يصير حطاماً.. والمهم أنها - أي الحياة الدنيا - جميلة ومغرية وفاتنة وقاتلة معاً.. ولا ينجو من مغريات الدنيا وحبائلها الشيطانية إلا أحباب الله.. جعلوها لجة فركبوا صالح الأعمال فيها سفناً. إن الدنيا كالمرأة الجميلة الحمقى، تحتاج لزوج يجيد فن التعامل ذي صدر رحب فيطرح مطاعمها الفارهة، ومشاربها الناعمة ورياشها الوفيرة (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) وبعضهم يغرق في حبها على حساب الآخرة والمروءة والشرف.. ثم إن المسألة تعود لتوفيق الله للعبد، فقد يبتلي الله العبد فيجلب له الدنيا، غير أن هذا العبد يرزق الشعور بمراقبة الله فينتبه لمكرها ودهائها وخداعها، وأما المخذول فينساق وراء رغباته وشهواته وأطماعه، وأخطر شيء نهب حقوق المخلوقين وأذاهم ومضايقة أهل الله، فإن ذلك دليل على سوء الخاتمة والعياذ بالله. لقد عرض علينا التاريخ نماذج من عبيد الدنيا فأراناهم ذوي خواتم سيئة ونهايات فاجعة مخيفة بينما العادلون الأبرار الذين لم تضحك عليهم هذه الحياة الفانية، سارت حياتهم على أحسن حال ولذلك قال أحدهم: نحن في نعمة لو ذاقها الملوك لجالدونا عليها. الدنيا حلم، يستيقظ النائم فلايجده.. وهناك أناس أقبلت عليهم، فاستمتعوا بها أحسن مايكون الاستمتاع ولكن على حذر وصحو. إننا ندعو أبناء الحياة الدنيا أن يعملوا حسابهم للآخرة فهي دار مقر، وندعو أبناء الحياة الأخرى ليستمتعوا بطيبات الحياة الدنيا وكان الأديب الجاحظ دائماً ما يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الغفلة)!!