لا يحدث التطور في المجتمعات البشرية بطريقة تراتبية كرونولوجية كما نستوهم غالباً، فالتطور يمر بمخاضات عسيرة وتقلبات متتالية، ومراهقات سلوكية لا مفرمنها. يحدث هذا في كل مجتمع بشري، ولهذا السبب تمعّن علماء الاجتماع والتاريخ في تطور المجتمعات البشرية وتفارقوا في مقارباتهم ورؤاهم، فمنهم من اعتمد على مفهوم التطور الحلزوني الذي يقضي بإعادة إنتاج الماضي بكيفيات جديدة، فالجديد يخرج من أحشاء القديم، وقد أخضع كارل ماركس هذا المفهوم لفكرة ديالكتيك التاريخ كاتباً عما أسماه علم التشكيلات الاقتصادية والاجتماعية، رائياً للتطور على قاعدة التواشج والتفارق في آن واحد، وبالمقابل قدّم ابن خلدون رؤية موازية، ناظراً لأعمارالدول من خلال أعمار البشر، ومؤكداً على فكرة الارتقاء من أدنى لأعلى، ثم العودة مجدداً إلى الأسفل كما لو أن هذا النوع من التطور الرأسي المنقلب على نفسه أمر سرمدي لا مفر منه، وعلى خط مُتّصل تحدث آخرون كثيرون ليؤكدوا أن المجتمعات البشرية لا تتطور بصورة اعتباطية، بل ضمن منظومة من القوانين الموضعية الناظمة لمسارها. أتذكر بهذه المناسبة ماكان قد ذهب إليه العالم الكبير جابر ابن حيّان، وهو في معرض الحديث عن ميزان الكون والطبيعة والمجتمع، منطلقاً من سورة الرحمن في قوله تعالى : (( الرحمن علم القرآن * خلق الإنسان علمه البيان* الشمس والقمر بحسبان* والنجم والشجر يسجدان* السماء رفعها ووضع الميزان * الا تطغوا في الميزان)) استحضر مثل هذه الآيات البيّنات ونحن بصدد الحالة اليمنية بعد التطورات الأخيرة، وأرى بعين الرائي المُتيقّن أن المستقبل سيكون أفضل من الماضي، خاصة إذا عرفنا أن اليمانيين سجلوا مآثر غير مسبوقة في عالم الربيع العربي، بتوافقهم على التغيير السلمي للسلطة والنظام، وتشاركهم الإجرائي في هذا الفعل الكبير، وصبرهم اللاحق على سلسلة المصاعب والعقبات التي ستنتصب أمامهم، فالماضي لن يندحر دفعة واحدة، والمستقبل ليس نموذجاً ذهنياً يراه هذا النفر أو ذاك، والحقائق المجتمعية لا تجري على نحو اعتباطي كما يتمناه البعض من ذوي النظر القاصر. [email protected]