ما يبدو عصياً على النظام لا فكاك له من النظام .. هكذا تستحيل الظواهر إلى مصفوفات رياضية جبرية، وتتحول الأكوان إلى تراتبات وتقاطعات منظومة بحبل الأبدية السري. الأبدية مسار المستقبل في فلوات مداها اللامتناهي، والأزلية مسار الماضي في مُقدمات إشاراته اللامتناهية أيضاً، وهكذا يصبح الأزل قرين الأبد بوصف الماضي إشارة المُستقبل، ويصبح الأبد قرين الأزل إذا ماقرأنا الماضي بعين القادم الذي لا مفر منه . في حيواتنا اليومية نستنسخ الأزل والأبد؛ لأننا لا نعيش زمن الفيزياء البشرية المعروفة، بل ننزاح بها إلى أزمنة لامتناهية؛ لأننا نحيا مرتين ونموت مرتين، ثم نعانق الخروج الكبير لحيوات مُتجددة لامتناهية . ينتظم العالم في مصفوفات كالخوارزميات الرياضية، وتصبح المظاهر الاعتباطية واللحظات الصُدفية ممسكوكة بميزان اتساق واكتمال نراه حيناً ولانراه غالباً.. لهذا السبب يستمد علماء البرهان قوانين برهانهم من عناصر تتجاوز البرهان لتدل عليه . كان الفيلسوف الرائي يقول: إن الفلسفة ليست إلا علم أعم قوانين الكون والطبيعة والمجتمع، وهو بهذا القدر من مُحايثة الحقيقة الكلية يقترب من الحقيقة الجزئية، فلا بعض من خارج الكل، ولا كل إلا بدليل البعض العابر، والصورة الوامضة . المصفوفة الرياضية الاعتيادية تتكون من تراتب الأرقام ضمن متوالية مموسقة بالتناسب النبيل بين مدخلاتها الرقمية، لكن هذه المصفوفة التي تبدو لنا مجرد أرقام تتناوب الحوار .. هذه المصفوفة بالذات قادرة على استيعاب الهيئات الوجودية بأشكالها المرئية والمسموعة، بل إنها تنزاح بعيداً حد استيعاب تميمة التمائم في الحواس البشرية.. تلك التي لا تقف عند تخوم المعلوم من السمع والبصر، بل تجاور الصمت بدلاً عن الصوت، والعماء بدلاً عن الرؤية، فترى بعين القلب ما لا يراه الناظرون. المصفوفة حاضرة في السحب والغابات وفوضى العوالم؛ لأنها الجبر الذي يستخيره العاقل الباحث عن النجاة من المُهلكات، وهي أيضاً الخيار الذي يلعب الضال بتداعيات أشكالها المخاتلة، فيذهب إلى سقر« وما أدراك ما سقر لاتبقي ولا تذر، لواحة للبشر ، عليها تسعة عشر» صدق الله العظيم.