بقدر ما حفزّتني الحُلة القشيبة التي ارتدتها صحيفتنا «الجمهورية» بعودة رئيس تحريرها، رئيس مجلس الإدارة الأستاذ سمير اليوسفي؛ بقدر ما سعدت بعودة صفحة المنوعات وخاصة كلماتها المتقاطعة، فقد حزنت لتوقفها الفترة المنصرمة. وحقيقة أن تقدم الصحيفة وتتنازل عن الحماسيات السياسية والثورية وتعيد المنوعات فهو يحسب لها ويحسب لمعدّها الأخ نصر صالح من عمل إبداعي له وابنته بسمة، فهذا توارث حسن للوظيفة يعتز به المرء كونه إبداعاً واجتهاداً لا توارثاً تقليدياً؛ كون هذه الصفحة لسان حال وزاد كل مثقف يستعرض ذخيرته اللغوية. فالأدبية والعلمية والثقافية عموماً - وعلى طريقة إخواننا المصريين الذين يتسابق مثقفوهم ومن غضبت عليهم السلطة بالتهميش - فيستفيدون من وقتهم وثقافتهم، لذا حرصت الصحف المصرية الكبيرة مثل «الأهرام والجمهورية» على إبقاء الكلمات المتقاطعة والأخبار التاريخية النادرة مستمرة في النشر كما هي، وصار تقليداً فتحها للقراءة واختبار الذاكرة والثقافة. حتى الصحف الأجنبية ومنها الناطقة بالانجليزية وأيضاً صحفنا الصادرة بالانجليزية تحتل هذه المواد مكانة في صفحاتها، ولعله تقليد صحفي عريق وعتيق تتبعه أيضاً صحفنا وخاصة المعارضة والأهلية كأن لسان حالها أنه من لوازم السلطة الرابعة في أن تمتلك زاداً ثقافياً يشعر القراء أن بقدرة إطلاعهم وحلهم لمنوعاتها ترتقي الصحيفة، وهذا أشعرني بترسخ العمل الصحفي. منذ عشر سنوات كنت - حينها في وزارة الثقافة والسياحة - أذكر أن إحدى الصحف طلبت مني المساهمة، وكان عندي حدس أن هذه المادة ترسخ من مكانة الصحيفة بصرف النظر عن تخصصها وبالإمكان أن تتماشي المادة وفق التخصص للصحيفة، إلا أن ما صدمني هو عدم تفهم إدارة الصحيفة وربما ثقافتها الصحفية المحدودة وغير المدركة للتقاليد الصحفية وما سارت عليه صحف كبيرة مثل الصحف المصرية - وهي مرجعنا عربياً وكذلك الصحف العالمية - مما حز في نفسي ولم أواصل تقديم المساهمة رغم صعوبة إعداد قسيمة جدول الكلمات المتقاطعة، ومن يعتقد سهولتها فليجرب خاصة أن هذه المادة تحتاج إلى ثقافة متنوعة وسرعة بديهة ومترادفات لغوية وعلمية وثقافية وأدبية. هنيئاً عودة المنوعات، هنيئاً عودة رئيس التحرير الأستاذ سمير اليوسفي، هنيئاً استقطاب أقلام جديدة وإن لم تكن فيهن نساء مثل غادة العبسي ورشيدة القيلي وغيرهن من الأقلام المتميزة، هنيئاً ذلك الزخم الذي عادت به روح الصحيفة، والعود أحمد.