تعز الباسمة.. جذور عميقة في التاريخ الإنساني.. طليعة النضال ورائدة الفكر. هذه هي تعز، وهذا ما نستطيع القول به عنها، وهذا هو نصيبها من التاريخ اليمني العظيم، وذلك شاهد حي عليها إلى يومنا هذا، ومن هذه الشواهد تجلّى ذلك بمخزون هائل بما تملكه من تنوع في الموروث الشعبي يزخر به ريفها وحضرها.. حباها الخالق سبحانه وتعالى بموقع هام في خارطة الوطن الحبيب، وذات دلالات عدة في الارتباط الجغرافي الواسع من جغرافية يمننا الحبيب.. هذا الارتباط حافظ على تكريس الانتماء العميق إلى الهوية اليمنية الأصيلة، محافظاً على أواصر الإخاء والقربى والنسب.. فقد سكنها وعلى مر العصور من كل القبائل اليمنية.. أيضاَ موقعها جعلها تتفرد بمناخها المتعدد، نعيش المناخ البارد في أعالي جبل صبر والمعتدل في عاصمتها ومعظم ريفها والحار بساحلها الطويل الممتد من محافظة الحديدة إلى محافظة لحج.. أسهم هذا في تنوع النشاط السكاني ومحاصيلها الزراعية. لطيب العيش ويسر المعيشة ففيها يتنوع النشاط السكاني، وتتعدد المحاصيل الزراعية لتنوع مناخها، حيث تعيش بثلاثة مناخات في اليوم الواحد.. فالبارد في أعالي جبالها والمعتدل في عاصمتها وأغلب ريفها، والحار في ساحلها الممتد من محافظة الحديدة إلى محافظة لحج.. هذا الساحل شيدت عليه واحدة من أهم البوابات التي ربطت الحضارة اليمنية بحضارات العالم، ألا وهي مدينة المخا وميناؤها على مد العصور. وعند بزوغ فجر الإسلام شهدت تعز واحداً من أكبر المهرجانات؛ حين التقت كل القبائل اليمنية وعلى رأسها حمير ومذحج في أرض الجند بمبعوث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل معاذ بن جبل، وهذا المهرجان العظيم كان أكبر المحطات الإيمانية في التاريخ اليمني وتقدماً ونجاحاً كبيرين للدعوة الإسلامية وأساساً متيناً لقيام الدولة الإسلامية وتصديقاً لدعوة خاتم رسل الله وأنبيائه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأن الإسلام للناس كافة وأن محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين. وقبول الحضور لهذا المهرجان والاستجابة لما طرح فيه ترجم عظمة هذه الأمة وعمق الفكر الإنساني الذي تحمله وأزلية إيمانها بالخالق سبحانه وتعالى، أسلمت بالرسالة وتعلمت تعاليم الإسلام بمهرجان. وهنا بدأ اليمانيون أرضاً وإنساناً بدورهم الحضاري والإنساني الجديد، عمقه الإيمان بوحدانية الخالق سبحانه وتعالى، ونبل رسالة الإسلام، وحملوا هذه الرسالة إلى مشارق الأرض ومغاربها، وبهذا الركب الإيماني العظيم كان لتعز متمثلة بمخلافي الجند والمعافر أعلام بارزة عسكرياً وفكرياً، ولعبت دوراً مضيئاً في صناعة التاريخ اليمني الإسلامي، مركزين على هذه البقعة من خارطة اليمن الحبيب، سنجد في اعتقادي أن ذلك المهرجان هو المدرسة الفكرية والسياسية الأولى الذي جعل من تعز طليعة النضال ورائدة الفكر في التاريخ اليمني. ظلت كذلك حقباً تاريخية متعاقبة، وأرادت بكل إصرار أن تظل كما هي في التاريخ اليمني الحديث، لتكن منارة مشعة في صناعة التاريخ اليمني الحديث، وبقت تلك الراية الحضارية الإنسانية إلى يومنا هذا. واليوم ونحن أمام مرحلة تاريخية جديدة إن شاء الله ستكون هي الأساس المتين والصادق لدخول يمننا الحبيب حقبة تاريخية جديدة يتحقق بها حلم كل اليمانيين.. والمكان الذي نتحدث عنه نراه بيناً وواضحاً من خلال معطيات عدة يجعل من تعز المنطقة الصناعية، حيث أنه لا يخفى على أحد بأن تعز هي المنطقة الصناعية الأولى قد شهدت ومنذ عام 74م تقريباً وضع اللبنة الصناعية الأولى، حققت نجاحاً وتطوراً على مستوى المنطقة والعالم.. وهذه إحدى المعطيات والشواهد التي تؤكد أن تكون تعز هي المنطقة الصناعية في اليمن الجديد، كما أنها تحتل المرتبة الأولى سكانياً، أي ذات كثافة سكانية عالية غنية باليد العاملة المهنية المؤهلة والمدربة ذات الطبيعة النفسية اللينة والصبورة. ما قلناه لا يخرج عن الحقيقة ولا هو الحقيقة كلها.