أسوأ ما وصلنا إليه من حال في العاصمة صنعاء هذه الأيام أننا نعيش وسط جَُزر من «القمامة» التي تملأ الساحات وزوايا وأركان الشوارع، والأرصفة وحيثما وجهت وجهك تجد أكواماً من «القمامات» التي تنبعث منها الروائح الكريهة وتشوه المنظر العام للشوارع والأحياء. لم تكن البيئة في العاصمة قبل هذا الوضع على حالٍ يمكن مقارنته بالمدن والعواصم في مختلف دول العالم، غير أن المشكلة التي سببّت هذا الوضع حوّلت عاصمة البلد إلى «مَقلب قمامة» كبير بما قد ينجم عنه بكل تأكيد خلال الأيام الماضية. ليس من المعقول أن تتحول المدينة إلى هذا الوضع مهما تكن تعقيدات المشكلة وما أظنها معقدة أصلاً لولا أنه أريد لها أن تتعقد وتصل إلى ما وصلت إليه. هذا المشهد المقزز المتناثر على طول الشوارع وعرضها وأمام المباني السكنية يفترض أنه أقنع الجميع بأهمية عمال النظافة وبمشروعية مطالبهم الحقوقية فيما يتعلق بالتوظيف والأجور المستحقة، فالبديل عن أولئك هو غرق العاصمة في بحيرة المخلفات و«الزبالات» التي تنتشر في كل مكان. ليس هناك من دليل أصدق مما نرى على أهمية أولئك الناس الذين يعملون على نظافة الشوارع كل هذه المدة وبعيداً عن ثقافة التصنيف إلى «أخدام» و«قبائل» التي ظلّت تحكم العلاقة بين الفئتين إلى درجة أن من يعمل في مجال النظافة يُحسب على أنه من «الأخدام» وإن لم يكن كذلك. صنعاء المخنوقة بعوادم السيارات أولاً ثم بعوادم «المواطير» في الآونة الأخيرة والتي أضافت ضيقاً جديداً للصدور والنفوس وصرنا نعيش فيها وكأننا داخل محرك حراري نتيجة الضوضاء التي تحيط بنا من كل جانب أثناء انقطاع الكهرباء والكهرباء مقطوعة على الدوام إلا من ساعات قليلة وتراجعت نسبة الأوكسجين إلى أدنى مستوياته المتدنية أصلاً نتيجة الارتفاع عن مستوى سطح البحر وقلّة الغطاء النباتي، فصنعاء هي أقل مدينة في محتواها من الأشجار وبالتالي فهي مدينة الأسمنت والأحجار والأتربة وثاني أكسيد الكربون الخانق.. وبالتالي أصبح من الضرورة بمكان أن تحدث ثورة لإنقاذ صنعاء وسكانها وزوارها من الاختناق من خلال زيادة الغطاء النباتي في المدينة وحولها وحل المشكلة الأساسية التي أنجبت مئات الألوف من «المواطير» المزعجة صوتاً وعوادم، وقبل هذا كله أمامنا قضية مستعجلة وتنذر بنتائج كارثية وهي غرق المدينة «بالقمامة» وهي تنتج الميكروبات المرضية نتيجة تحللها في الشوارع وأبواب العمارات وفي كل مكان. لن يصدق الزائر لهذه المدينة ما يرى، ولن يصدق قبل ذلك أننا لم نحل مشكلة عمال النظافة، ولن يقبل كل الأعذار التي تُطرح في مواجهة هذا الوضع المخيف الذي يستدعي إعلان العاصمة اليمنية مدينة منكوبة. مشكلتنا في هذا البلد أننا نتعالى على بعضنا ونستغل بعضنا بطريقة همجية، فلا احترمنا «الأخدام» الذين ينظفون لنا المدن وأعطيناهم حقوقهم، ولا حللنا المشكلة ب«القبائل» الذين يلقون بكل شيء إلى الشوارع والبعض منهم مازال يتبول في كل مكان يحضره البول فيه ومن غير حياء من المشاة.