شيء غريب، بل أغرب من الخيال عندما يصبح الدين في خدمة السياسة بدلاً من أن يكون كل شيء في خدمة الدين بما فيها السياسة, حيث إن الله سبحانه وتعالى أرسل الرسل لغايات عظيمة ومهام نبيلة أبرزها تأكيد وحدانيته وإلوهيته جلّ جلاله, وإلزام العباد بطاعته والامتثال لأوامره وتبيان الحق من الباطل والخير من الشر والحلال من الحرام, حيث جعل الجنة مأوى لمن اهتدى والنار مثوى لمن ظلّ وغوى. إلا أن البشر وللأسف الشديد بدّلوا وغيّروا واستخدموا الدين في خدمة أغراضهم ومصالحهم الدنيوية, ونسوا أنهم إلى ربهم راجعون, ليحاسبهم على كل صغيرة وكبيرة, يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم, فتاريخ الأديان السماوية مليء بالتحريف والتبديل والافتراء على الله, حيث يخبرنا القرآن الكريم بقصص الأولين الذين حرّفوا وبدّلوا وكتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا هذا من عند الله ومنهم اليهود والنصارى. إن الله عزّ وجل قد توعد أولئك الذين يفترون على الله ورسوله بالعذاب الشديد، وكذلك الذين يكتمون الحق وهم يعلمون, وكأن الله جلّ في علاه ومن خلال كتابه المجيد (القرآن الكريم) يوصل رسالة واضحة ومباشرة إلى كافة المسلمين يحذرهم فيها من مغبة التحريف والتبديل والافتراء على الله ورسوله كما فعل الذين من قبلهم اليهود والنصارى فباؤوا بغضب من الله ولعنوا في الدنيا والآخرة, وهذا يدل على أن الله سبحانه وتعالى أراد للمسلمين أخذ العبرة والعظة ممن سبقوهم من الخلق. لكن وللأسف الشديد إذ إن الكثير ممن يعتبرون أنفسهم دعاة وخطباء وعلماء لم يتعظوا البتة ومارسوا نفس أخطاء من سبقوهم من الأمم الغابرة, حيث استخدم الدين الإسلامي الحنيف لخدمة أهداف وأغراض ومصالح الأحزاب السياسية، فأصبح الدين وسيلة وليس غاية وفق ما أراد الرب الرحيم, فباسم الدين يتم جمع الكثير من الأموال ليس لخدمة الدين ولكن لخدمة مصالح أحزاب سياسية, وباسم الدين يتم التأثير على الناخبين ومشاركتهم السياسية وكذلك توجيه إرادتهم حسبما تقتضيه مصلحة من يستخدم الدين لتحقيق أهداف سياسية وليس لمصلحة الدين الإسلامي الحنيف. وباسم الدين يتم قتل الكثير من الناس ليس لأن الدين الإسلامي يستوجب قتلهم أو حتى يجيز قتلهم، ولكن لأن مصلحة بعض الأحزاب السياسية التي تستخدم الدين تقتضي التخلص منهم كمنافسين سياسيين يتم تصفيتهم بمبررات دينية مزعومة, وباسم الدين يتم تكفير الكثير من الناس وطردهم من رحمة الله, ليس لأنهم مذنبون ولكن لكونهم خصوماً أو منافسين سياسيين لأحزاب تعتقد أنها تمثل الإسلام وأن كل من يقف في طريقها يجب تكفيره مثلما حدث مع جمال عبدالناصر عندما كفّره الأخوان المسلون في مصر. كما أن العديد من الفتاوى الدينية خضعت لمعايير سياسية، وتم على أساس تلك المعايير إطلاق تلك الفتاوى التي تبعث على الدهشة والاستغراب, وتاريخنا السياسي الحديث حافل بالكثير من الفتاوى الدينية التي صدرت لاعتبارات سياسية منها: (وجوب النفير والجهاد في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي, بينما يعد الجهاد في فلسطين دينياً مقدماً على الجهاد في أفغانستان).. كذلك (وجوب منح الحصانة لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح, علماً أني لست معترضاً على ذلك, لكن وجوب الإفتاء بعدم الخروج عليه من الناحية الدينية ووجوب طاعته باعتباره ولي الأمر حسب النص القرآني كان أولى).. أيضاً (اعتبار انتخاب عبد ربه منصور هادي تقرباً إلى الله, مع أني متحمس لانتخاب هادي رئيساً للجمهورية أكثر ممن أصدر الفتوى, إلا أني أرى أن الإفتاء برفع الخيام من الشوارع والطرقات ووقف الفوضى هي الأصح والأقرب لجوهر الدين والتقرب إلى الله). وهناك الكثير من الفتاوى الدينية السياسية المثيرة والتي لا نستطيع ذكرها في مقال كهذا, لذلك نكتفي بما ذكر قاصدين التمعن والتيقن في الدين حتى لا تكون الفتوى سلاحاً سياسياً جديداً يجعل من الدين الإسلامي الحنيف وسيلة سياسية تخرجه عن مقاصده الحقيقية التي جاء من أجلها. (*) باحث بمركز الدراسات والبحوث اليمني [email protected]