عاش شعبنا خلال الأشهر الماضية أحداثاً جسيمة، وعايش قضايا كثيرة متشابكة ومتعددة الأبعاد والجوانب، تداخل فيها الحقوقي «القانوني»، مع السياسي، والثقافي والاجتماعي مع الأمني. وهي قضايا فرضها الإيقاع المتسارع والمتلاحق للأحداث التي شهدتها الساحة السياسية الوطنية، حتى أنها لم تدع لكثير منا فرصة أو مجالاً لالتقاط الأنفاس، ولم تترك لنا متسعاً لفهم أعمق لحقيقة ما يدور، ولم تمهل كثيراً منا من أجل حشد الطاقات، ولملمة الصفوف ورصها، وتضميد الجراح ومداواتها. من أبرز تلك القضايا: اتساع نطاق الدعوات السلبية التي شهدتها بعض المحافظات والمديريات والساحات اليمنية بهدف إثارة النعرات الانفصالية والمناطقية والطائفية التي هدأت لفترة بسبب تداخل الهموم وتشابه المطالب والشعارات بين الشباب في الساحات؛ وأججها تجدد المعارك في صعدة وحجة في إطار ما يعرف بصراع النفوذ أو «المشروعات»، وعودة جرائم التفجير والقتل العشوائي في إطار ما يعتقده بعض إخوتنا صراعاً من أجل الاستقلال والتحرر وإعادة تشكيل «الهويات»...، وكثير من الأحداث التي شهدها مجتمعنا اليمني خلال الأشهر والأيام الماضية بهدف إثارة القلاقل لزعزعة الاستقرار وتهديد الأمن وصناعة «الأزمات»، في تسارع ملحوظ، يثير الريبة والشبهات، ويدعو إلى وضع أكثر من علامة استفهام حول حقيقة ما جرى، ومن يقف وراءه، والأهداف التي يرجوها من وراء ذلك و«الغايات»؟؟ ولاعتقادنا أن بعض تلك التحديات باتت أكثر خطورة بما يهدد وحدتنا وهويتنا الوطنية، ويقوض دعائم أمن واستقرار الوطن، ويعرض أسس السلم الاجتماعي والنسيج الوطني المتجانس لمزيد من الأضرار الناجمة عن ممارساتٍ عفوية أو موجهة، فردية أو جماعية، ويزيد معاناة المواطنين جراء اتصال حلقات «مسلسل» الأزمات السياسية والاقتصادية المتفاقمة. فقد دعونا في مناسبات عديدة إلى ضرورة تضافر جهود جميع أبناء مجتمعنا من أجل تناول تلك القضايا وتحديد تداعياتها وسلبياتها، واستشراف آثارها، وتطوير سبل التعامل معها. ونعتقد أن بعض تلك القضايا يحتاج إلى مراجعة جادة لنصوص الدستور أو القوانين التي تنظمها وتضبط تفاعلاتها وتحدد مساراتها، رفعاً لكل لبس أو تفسير صحيح أو غير صحيح لتلك النصوص، ومنعاً لكل استعمال أو استغلال آني أو مستقبلي لها، وهذه مهمة رجال القانون؛ وبعضها الآخر في حاجة إلى وقفات طويلة للدراسة والتأمل والقراءة الموضوعية والواقعية، لإبداء الرأي الواضح والشفاف والصريح من أجل وضع نهايات أو حلولٍ «مقبولة» و«عادلة» لها، وهذه مهمة الباحثين ورجال المال وخبراء الاقتصاد؛ وبعضها الآخر يتطلب منا أكثر من التعبير عن النوايا والأماني الطيبة، وأبعد من إبداء حسن أو سوء الظن بالآخرين، وأقصى من بذل الوعود بأهمية قبول أو رفض «التغيير»، وأقسى من جلد أو تمجيد الآخرين والذات، وأعمق من تسليط الضوء على العوامل التي ساهمت في إقامة أو إعاقة بناء دولة المؤسسات، وأفصح من طرح الحلول والمعالجات «الآنية» و«الأنانية» من بعض أو كل القيادات. وأحسبنا جميعاً معنيين بذلك، ولم يعد يفيدنا أو يفيد وطننا اليمني الكبير الاكتفاء بدفن الرؤوس في الرمال، أو اللامبالاة أو المواربة في الحديث عنها، أو انتظار ما سيتمخض عنها كأنه قدر لا فكاك لنا منه. ولمعرفتنا اعتماداً على استقراء الأوضاع والأحوال والتجارب لأمم مثلنا أن الحل لن يكون إلا جماعياً ووطنياً أو لن يكون أبداً، وأنه لن يتحقق إلا باقتناع وتوافق جميع القوى السياسية ومختلف مكونات المشهد السياسي دونما استثناء من أجل إعادة «تجسير» الهوة بينها، وتجسيد «الثقة» التي تعرضت لهزات متلاحقة لأسباب عدة لا مجال لحصرها في هذه التناولة. وسيكون لنا عودة إن شاء الله لاستكمال الحديث حول هذه النقاط. (*)جامعة إب