باكرا حجز خيمته في الثورة،الثورة كانت بالنسبة إليه اشبه بموعد عاطفي،استعد له منذ وقت طويل.عمل بكل قدراته الممكنة وضاعف طاقته،نبرة صوته الرخيم يعرفها الجميع هنا ، يلفت الأنظار ويجذب الأضواء،إن حضر يسعدون به ويفتقدونه ويبحثون عنه لو توارى.كبرت أحلام أصدقائه وزملائه بصحبته ،و يتذمرون أحيانا من فرط حرصه،كانت ساحة التغيير كأرملة إذا غاب ويسأل الكل عن موعد حضوره.وفي الساحة كما خارجها.يحظى عبد الهادي العزعزي بسمعة طيبة،معها لا يعرف سوى كيف يترك انطباعه المميز. بعض الأفكار ثورية جدا بحيث لا تصل إلى مرحلة التنفيذ ابداً،لكن تلك بالنسبة لعبد الهادي، اضحت من الماضي،الآن ثار الشعب،و يجاهد على إحداث التغيير،ليحصد ما كان يطمح إليه.قال العزعزي:ولحسن الحظ، فإن ذلك يتحقق تباعا لهذا الجيل الغاضب،وهو ينشد قفزته النوعية للوطن.إنها إشارة الى نهاية عهد،كما يراها هو.«قابلة للاستنساخ والتسويق». “عبد الهادي” الذي يتهمه البعض في ساحة التغيير،وهم قلة من متسكعي غابة الشكوك وروادها،على انه منحاز لحزب الإصلاح في أدائه داخل الساحة.(هنا ليس تمجيدا لأحد).إنه لا يعد ابعد من تمرين على إنصاف شخص نعايشه عن قرب،رأيته ثائرا يغامر بما يملك،ويقامر لتجنب جرح الآخرين،انه يعرف أيضا كيف يتلاعب بأعواد الثقاب،و يتقن طريقة إشعال النار بمن يريد و متى شاء.ما يمتلك من الأخلاق يجنبه اجتراح دهاليز المشككين و الرد عن حملة التشهير المقيتة التي تطاله،كما يؤهله هذا التعالي إلى مصاف رجل كبير ناضج.مع انه أصبح في مرمى ضغينتهم مباشرة،وبتنا نسمع صرير الحقد تحت ألسنتهم ضده وبحقه،يغطي ما تبقى من أشبه المواقف التي أزعجنا ضجيجها.إلا أن القروي الذي خطف الأضواء عن البعض وما أكثرهم.الترفع عن تصرفاتهم الطائشة هو قراره الأخير. يعد العزعزي عضو دائرة الشباب في حزب التجمع اليمني الوحدوي،الذي أسسه المناضل عمر الجاوي.يضم نخبة من اليساريين، يعمل بجدية بالغة ضمن فرق عديدة في الساحة ويتبنى اغلب الأفكار المتزنة،إنه ببساطة أرشيف الساحة و شخصية الثائر المعتدل. لذلك اجزم بأنه لا يلتفت إلى سعار الأغبياء المفرط تجاهه.لأنها يا صاحبي لو ظلت تشدنا للخلف- حد قوله- ،لم نكن لنصل إلى هذه اللحظة التاريخية المغايرة من حياة اليمنيين. إن محاولات للنيل منه،و من هذا النوع بالنسبة لرجل حصيف؛لا تعد أكثر من المواظبة على استنباط همجية توجهاتهم المشتتة قال.بقصد إحداث الجلبة فقط،أو في مكمن أدائهم لنقل: استخلاص منطق متكامل من الفشل الذي يتشاطرهم في متاهات مشوارهم الغريب. وفي سياق هذا الهزل المستنسخ من إخفاقات صريحة تمتعوا بها في الماضي ويحاولون استعادتها على أنها نجاح وحنكة وتبصر في الأمور.فيما هي بالغالب نط فوق الواقع القائم،وهم يحاولون استدراج مواقف ثورية عميقة من هذا النوع ويعملون على إتقان التشويش من الداخل(يقصد داخل الساحة)على أنها “اللعبة الداخلية” بالمعنى الرديء للكلمة،لتبدو الصورة الإجمالية للتحالف النخبوي (دعي المدنية) وبقايا بقايا النظام هو في موقع الهجوم مع انه يتهاوى يتلاشى وسينتهي.كما انه يتوهم بالتحكم بلحظة المواجهة وفقا لحساباتهم المتأخرة الفائتة.وقد يؤدي هذا إلي أخطائهم المتلاحقة،التي سنطلق عليها حتى الآن با “اللامقصودة” كون الحاجة عوزتهم التاريخية “هم”،وستظل تدفعهم للتخوين والنيل من الناس ونسف أداء المحترمين المنقطع النظير. حتى الآن سنظل نردد في وجوههم بأن الضرر الذي وقع(من تشويه وتحقير وتخوين وغيره)؛اقل من الضرر الذي كان سيقع لو فعلا تجاوز “الرئيس السابق” بمختلف أدواته من نوع أصدقائنا ثوار الصفقات،ثوار الدست، كل هؤلاء الشهداء والجرحى والأوفياء لبرامجهم التغيرية بساحاتها المليونية. بدا العزعزي مسيرة الثورة قبل عام من الآن برفقة أصدقاء ورفاق التأسيس،بمفهوم “السلمية” الجديد،وهو الآن يشعر بأنه قد تواطأ مع حلمه،غير ان شيئاً يتحقق يجعله يستمع لنداءات ضميره الصافي،و يردد من لا يصدق عليه أن يسأل الناس البسطاء “أرجوكم أصدقائي تجنبوا فضاضة المثبطين،يقصد ( مدعوا التقدم والمدنية ) خدعونا زمن وما يزالون يحاولون خدش مشروعنا الكبير بالتغيير” هل علينا أن نكون وقود مراحلهم الماضية والقادمة؟،يتساءل خوفا،وماذا لو لم يكن لدينا شباب حقيقيون قدموا حياتهم ثمناً للحلم؟هل سنركن إلى عفش النظام وسامانه المتراكم فوقنا طيلة سنين( كما يحلو له وصف البعض في صفوف النخب كذلك،وحينما ينوي نعت من يستهدفونه بالترويج بشائعاتهم يكتفي بوصفهم “ العضاريط “ هذه أسطورة كان يرويها الأجداد لأحفادهم في ليالي القرى البعيدة،بقصد التخويف.ما يستدعي الصغار أن يخلدون للنوم. لو دار الحديث وأخذت وتيرة النقاش بالتسخين،يتلقى اللكمات بثبات الملاكم من الوزن الثقيل،ثم يحتكم إلى المنطق ومهارات الإقناع،و يرجع منتصراً من اغلب جولات مواجهاته. لطالما يشعرك انه يخوض نزالاً من نوع خاص،على ارضيته المفضلة. بثقة القوي يتنازل عن حقه بالأفكار وليس بالمبادئ،ويتراجع ويفرط في المرونة معتبراً أن الخسارة مقبولة شرط ضبط خسائر اللحظة لو فعلا ستقع. يستحق أن يكون عبد الهادي ترس الثورة الأول في ماكينة اللجنة التنظيمية والساحة على وجه العموم،حيث يعمل منذ الأيام الأولى وما قبلها من اندلاع الثورة؛وصناعة الساحة بجهد مضاعف.فلا غرابة أن تصفه صحيفة الواشنطن بوست ب”زعيم الاحتجاجات في اليمن “ لكنه لا يفاخر بأي إنجاز حتى الآن أو أوصاف “ويكتفي ب”انا مجرد قروي رعوي بسيط” عن جدارة يتفرد العزعزي بتوصيفات أخرى عديدة اهمها أن يطلق عليه أصدقاؤه بأنه المحرك الرئيسي « للجماعات العملية» و يعتز بذلك.من لا يعرف الجماعات العمالية كما يطلع عليها هو.عليه أن يمر وسط حي القاع في العاصمة صنعاء وبعض الأحياء التي يتراكم فيها إنتاج البطالة الممنهج الغزير؛حيث يتجمع فيها العمال العاطلون عن العمل،كأنهم في معرض تجاري عصري. ينتظرون فرصتهم المفقودة. كان عبد الهادي احد من يجالسهم في مختلف الأوقات على ارصفة الشوارع وفي أكثر من حي ،كأنه يعزز ثقته بقيمة هذه الأيدي العاملة ويدخرهم ليوم ما.إنه المؤمن بدورهم وأهميتهم يتبادل معهم الأحاديث في جلسات شرب الشاي التي تمتد لأكثر من ساعة،كما يزور اغلبهم في مساكنهم وأماكن إقامتهم بغرض المواساة والشعور المتبادل بالانتماء للواقع الواحد،كل ذلك يعزز حضور العزعزي لدى أصدقائه.أحبته هذه الجماعات العمالية ويتعلقون بأحاديثه كثيرا، كما يشعرون بأن وقتهم شيق بصحبته،وكم مرة أحسوا أنه جزء من يومهم مهم.ليس لأنه المثقف والمدرس الذي يحمل شهادات عليا من مصر على سبيل المثال،ولكن لأنه،صديقهم الدائم “يدعوه عبد الهادي العز عزي”دون أن يسبق اسمه بالأستاذ أو المثقف.لكم أغواهم بأحاديثه المتزنة التي تبعث على الأمل من تحت الرماد.وكل مرة يختم لك كلامه “ انا فلاح أصيل اعتز بانتمائي لروح القرويين الانقياء».هكذا يجيب على سؤالك عن سر علاقته،والرابط الخفي بينه وهذه الجماعات حينما سقط بن علي في تونس ولحقه مبارك في مصر.شكلت جماعات العزعزي العملية رافدا رئيسيا لمسيرات الشباب في شوارع صنعاء،وتلك حكاية أخرى يسهب فيها عبد الهادي وهو يتحدث عن تفاصيل التفاصيل التي لا يتقنها سواه،وكم يفاخر بالدور الذي لعبته هذه الطبقة السحيقة التي لم يكن احد يلتفت إليها بحسب العزعزي - في مساندة الثورة،ظلت حاضرة جنبا الى جنب ،في صفوف شباب الجامعات وطلاب المدارس،انه الفعل المتسق مع بقية الفئات.المسؤولية الأخلاقية والوطنية مصدرها الحقيقي اضاف. لا يجيد العزعزي التعامل الفوقي مع الناس،لذلك يحظى بعلاقات و اسعه مشبعة بالحب والود،لحام التواصل بينه و طبقات وشرائح المجتمع.إن غاب نفتقده وإذا حضر نغبطه.شاب مهجوس بالوطن،طموح مهادن لكل اعتمالات روحه نحو مشروع لبرالي يمني متقدم، تفوز به كل هذه التكتلات الشبابية اليسارية واللبرالية الحالمة. وهو ما تتطلبه اللحظة الصاخبة في وطن يتشكل.يقول:على رأس المال الوطني العمل على تبني مثل هذه المشاريع الفكرية النهضوية بجدية بالغة.وإحياء اللغة الوطنية الحقيقية.أضاف. الحديث عن طموحنا السياسي يجب ومن الضروري أن لا يتزامن مع ارتفاع سخونة الاستعدادات لحلقات الحوار الوطني وما بعده، علينا أن نواصل المضي لنحقق هذا الطموح،و يعلل : البلد يفتقر لزعامات كاريزمية قادرة على منافسة الزخم المضاد لزعماء الغفلة وقادة فشل الجمهورية «لو لاحظنا ذلك لن يتعدى ثلاثة أشخاص أو اقل». عندما استطاع العزعزي مع مجموعة من الرفاق إقامة أول اعتصام ليلي في ساحة التغيير – صنعاء،لم تكن الخيمة نصبت،قضى الشباب ليلتهم وسط البرد في العراء،محتمين بسور الجامعه المواجه للشارع العام والى جوار تمثال،الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية يقول:نهاية نهار اليوم الثاني : زارنا رجل لم اعد أتذكر سوى ملامحه،على ما يبدو كان من طرف رجل الاعمال جمال المترب،كان يرتدي ثوباً ابيض ولم يتحدث إلينا طويلا،لحظتها تركناه مع احد الشباب،عرف ما الذي ننوي القيام به،تأسيس ساحة اعتصام مفتوح،قدم حينها عدداً من الخيام ،وذلك ما مكنا من تأسيس المخيم و الساحة.استطعنا أن نؤسس خيمتنا الأولى منتصف تلك الليلة. استمر عبد الهادي بالتواصل بأكثر من طريقة عبر الاتصال مرة وأخرى بالرسائل،أكثر من صديق أقنعهم بالانضمام لساحة الاحتجاج ،كان على يقين بأن لحظته الفارقة تولد الآن،كيف لا وهو القادر على خلق الحماس و يتفنن في استخدام مفاتيح التأثير.بالنسبة له الآن تبدأ الأمور بسيطة وما أن تلبث أن تتحول إلى كرة من الثلج مرة تتشعب في الأرض وأخرى من النار يصعب اطفاؤها،وهذه ميزة الشاب الثلاثيني الذي تقدم للساحة فاجتذبته كابن ضال عاد إلى بيته المنتظر، محملا بالشوق،مفرطاً باللوم والعتب والفرح. كانت لحظات عصيبة حينما يحل المساء على عبد الهادي والرفاق،غير انه الاتجاه الإجباري، لا رجعة عنه.لم ير بداً من المحاولة السير فيه ومطاردة الفرصة الفارقة،نجحت المجموعة الأولى بالقبض عليها بإيوان الزمان والمكان الممتلئ بكل التخوفات الغائبة. تأخذ الساحة بالتشكل والاتساع ويشعر معها الصديق عبد الهادي باتساع البيت والوطن بقدر الحلم ،وعمق الرؤية التي تتشكل معها قدرات الشباب في مواجهة اللحظة،حيث أفاق عليها وطن بأسره،ومع ما يكتنفها من مغامرات،مخاطر وعقد،لا حدود لها.ظل يلازمها ؛ كأنها واحته ومشجبه الأول والأخير بل «حائط مبكاه ومئذنة سروره وأجراس رغباته بالتغيير». لتصير هذه الساحة مؤخرا مرابعه الخضراء على الدوام. اليوم يتذكر عبد الهادي وهو الذي (يعد وحيد والديه)انه بعيد عن قريته منذ ما يزيد عن سنة كاملة؛و أن أسرته وأربعة من أبنائه هناك،الإ انه يتحمل كل آلم الفراق والبعد عن أسرته ومسقط رأسه في مضارب الحجرية،ويحن لرؤية والده المتعب.دون أن يشكو من كل ما يلحق به على المستوى الشخصي أو الأسري.نهار امس الاول(الجمعة) تحدثت آليه وهو متعب «اشتي ازور ابي في تعز مريض » قال بلكنته المعهودة.لا يحب ان يشاركه احد المه،وحينما ادرك انه سيحملنا شيئا من همه.استدرك،ليلتقط جواله،و يتحدث الى صديق مقرب له منذ زمن،لم تطل المكالمة و ضع تلفونه جانبا،يواصل حديثه في سياق التغيرات التي كان اجراها رئيس الجمهورية في محافظة عدن،يبدو عليه الارتياح من هذه التغييرات التي يصفها بالناجحة “ كانت موفقة الناس تشعر معها بارتياح واسع” تلفونه لا يهدأ.اشعر بتأفف من كثرة الاتصالات التي يتلقاها،او يجريها،و مهما يكن الخبر الذي يباغته،لا يشغلك بفحواه.يواصل حديثه وهو يبتسم بهدوء : خرجنا و لدينا حلم ،ثم يضرب بيده على ركبته “نحتاج الآن لإحداث التغيير الحقيقي في مفاصل المجتمع بما فيها الأحزاب و النقابات ومن خرج وهو يشعر انه لن ينفع الناس او ينوي ان يلحق بهم الضرر عليه ان يعود ادراجه” يتناول البعض عبد الهادي في كتابات عبثية،اقل ما يمكن أن يقال بشأنها انها تصدر من اشخاص يتمتعون “ بقلة الضمير”ولا يعرف أصحابها انه صار بفعلهم اسما لامعا في الساحة وخارجها،يجتذب في طريقة منتظمة كل من يقابلهم من أبناء القبائل و أبناء المحافظات الجنوبية والشمالية على السواء. يدرك ان خضات الوطن في الجنوب وصعدة – مثلا - تحدث الآن وقد تمتد قليلا،لتخرج اجمل ما يمكن القبول به من هذه الاطراف. انه مثقف فذ،يمتلك خامة من نوع مغاير.اداؤه المختلف الاكثر تعقلناً،يصطدم بإخفاقات الثوار المتشنجين على الدوام.و منطق كهذا هو العامل الحاسم في الساحة الواسعة.نختلف معه أكثر من مرة،اعتقاده مثلا- أن في الجهة المقابلة لهذا البلد حيث سحب دول الجوار تتشكل و غمامها المحملة بالأمل .ستمطر،لكنه كما يراها “ ستمطر يوما سماء الخليج كله علينا وليست المملكة العربية السعودية فقط،لا تفاجئك آراؤه التي يدافع عنها وهو يردد:نحن عمقهم الجغرافي والتاريخي ولا يمكن لأي منهم أن يظل يتجاهلنا و مشروعنا التغييري يتحقق ،وسيأتي اليوم الذي سيدركون فيه أننا أحق من غيرنا بشراكة العمل و الإنتاج،وها هو قد بدأ،عوضا عن حظوظ اليمنيين المقيمين هناك من يتمتعون بفرص عمل يجب أن تأخذ مراعاتنا بحجمها المتزايد الآن.وعلينا أخذه على محمل الجد.والمضي في التغيير الداخلي قبل الخارجي.لو اردنا فعلا ان نكون كما نشاء وكما نحب.