هناك الكثير من القضايا الشائكة والعالقة التي تطغى على المناقشات بالشأن اليمني المحلي وخصوصاً ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تتبعها حكومة الوفاق أو أية حكومة قادمة، رغم أن الحكومة الحالية تقف اليوم أمام مسئولية تاريخية ومهام شاقة ومعقدة، خصوصاً أنها جاءت في ظل إرث ثقيل وعقبات وعوائق لا تحصى وشحة موارد مالية وسياسات مالية ونقدية هزيلة وفاشلة وقيود سياسية كبيرة قد يتعذر على الدولة معها تحرير المجتمع من الفقر ومده بالخدمات اللازمة أو مساعدته على مواجهة الصدمات الاقتصادية والمخاطر التي قد تواجهه في حياته اليومية أو المستقبلية وتحريره من الخوف والتوترات والقلق من المستقبل القادم المجهول أو أن تغذي شعور اليمنيين بالاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. فاليمن لم تنجح حتى اللحظة في توفير شبكات الأمان الاجتماعي وفي رفع مستوى معيشة مواطنيها، وهي لم تحقق أيضاً المستوى الأدنى والمطلوب أو المقبول محلياً ودولياً في مجال التنمية والنمو خصوصاً أن هذا البلد قد عاش منذ زمن ليس بقريب في ظل الاضطرابات والنزاعات والتقطعات والثأرات القبلية التي أضرت كثيراً بالاقتصاد اليمني، وما زاد الطين بلة في ذلك هو أن هذا البلد يستضيف ويأوي حتى الآن ما يقارب نحو أكثر من مليون ونصف لاجئ من القرن الأفريقي بكل سلبياته.. وإجمالاً يمكن القول إن وضع ومستوى الاقتصاد اليمني لا يعبر إطلاقاً عن الثروات الاقتصادية المتنوعة التي تزخر بها اليمن. إن ارتفاع نسبة الفقر وزيادة أعداد العاطلين في اليمن لا يعطي هو الآخر أيضاً صورة واضحة وواقعية عن هؤلاء الفقراء ومدى مكابدتهم للجوع والحرمان والأمراض المختلفة والآثار المترتبة على الصراعات الدائرة والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي رافقتهم منذ مطلع العام المنصرم 2011م وحتى اللحظة، وما خلفته تلك الصراعات من تدمير للبنى التحتية وللمنشآت العامة والخاصة ولشبكة الكهرباء والمياه وانعدام مادة الغاز المنزلي والمشتقات النفطية وقطاع الخدمات بشكل عام، الأمر الذي أدى إلى ركود اقتصادي في البلد وشلل تام في القطاع التجاري وضعف القدرة الشرائية للفرد وتوسيع فجوة الفقر والجوع والبطالة، وهو ما يستدعي ويتطلب من الحكومة الإسراع بتقديم المساعدات العاجلة إلى شرائح المجتمع الأكثر فقراً واستدامتها والعمل الجاد لتحسين النظام الصحي الحالي الذي يفتقر إلى المهنية وإعادة النظر فيه من جديد وبناء القدرات المؤسسية لهذا القطاع الذي يشكو سوء الإدارة والتضخم الوظيفي والتسرب وعدم القدرة والكفاءة على الرعاية الصحية بفاعلية. أما على مستوى نظام التقاعد اليمني بشقيه المدني والعسكري فحدث ولا حرج فلا يتسع المقام هنا لسرد كل قضايا ومشاكل التقاعد وإنما يمكن القول إن هذا النظام لا يلبي الآمال والطموحات المرجوة للمتقاعدين كما أن النظام التعليمي في اليمن يقوم بتخريج كوادر لمختلف القطاعات حين لا يقوم بإعدادهم كماً وكيفاً، فهو لا يمدهم بالمهارات وبناء القدرات المطلوبة فمؤهلاتهم وخبراتهم لا تتطابق ولا تتناغم ولا تتوافق مع الأعمال المطلوبة في سوق العمل، ولهذا السبب فإن حكومة الوفاق ممثلة بالجهات المعنية معنية بتكثيف جهودها بإدراج برامج وخطط تدريبية ومهنية وتقنية نوعية تتواكب وتتوافق مع المعطيات الجديدة في سوق العمل اليمني والخليجي ضمن أولويات وسياسات وبرامج الحكومة، ففي اعتقادي أن المؤسسات اليمنية خصوصاً في ظل الظروف الحالية لا تستطيع استيعاب أعداد متزايدة في العمالة التي تثقل كاهلها ويتعذر استيعابها فيما بعد في سوق العمل اليمني، فالحل لهذه القضية في اعتقادي هو أن تقوم الدولة ممثلة بالجهات ذات العلاقة بالعمل الجاد والمضني لاجتذاب رؤوس الأموال المهاجرة في الخارج ورؤوس الأموال الأجنبية المباشرة الانتقائية التي تعتمد على الكثافة العمالية لاستيعاب مزيد من مخرجات التعليم ومن العمال الجدد، والاتجاه نحو زيادة تنويع وتوسيع مصادر الدخل والإدارة الجيدة لموارد الدولة الاقتصادية والاهتمام بالقطاع الخاص الذي يمكن أن يجعله شريكاً في المستقبل ومصدراً رئيسياً لفرص العمل الجديدة في الاقتصاد اليمني.