نلاحظ عند بعض الفنانين التشكيليين درجة الاشتغال الصبورعلى الموسيقى البصرية المرتبطة بتوقيع الزخارف وفنون البهاء اللوني الخارج من أعطاف الثقافة التاريخية، ولوازم التواترات التلقائية في المنحوتات الشعبية المرافقة لفنون الحرف والصناعات اليدوية، كما نلاحظ أن تلك الغنائيات الواضحة تنزاح رويداً رويداً صوب التجريد بوصفه عمق أعماق الغنائية المُلتبسة، أو فلنقل فن فنون الغنائية البصرية، من حيث أن التجريد جاء من أساس التواتر والتكرار، واللوازم الممعنة، والبحث عن المطلق، ولهذا السبب بالذات نقول إن الفنون العربية الاسلامية التاريخية صادرة من أساس التجريد وإليه تؤول، فالتجريد الإسلامي يتصل مباشرة بالجمال والجلال مُستبعداً التشبيه وناظراً إلى التنزيه؛ حيث يتجلّى الخالق في بديع صنعه وترمز الخطوط والإشارات إلى استحالة تقليد صنعة الصانع، فيكون الكلام مساراً لتجليات لا تنقطع تواتراً وتكابراً في المبنى والمعنى، وتكون الخطوط مُنسابة لا تعتمد الوصل والفصل إلا باعتبارهما مفهوماً واحداً، فلا فصل إلا ظاهر، ولا جزئية إلا وهي منطلق للكل. تهيم تلك الخطوط في فضاءات اللامكان واللازمان وهي تتمرأى أمامنا ظاهراً، كأنما تعيد إنتاج العصور والدهور فيما تخرج منها في آنٍ واحد! . هذه واحدة من الاستدعاءات التي تبادرت إلى ذهني وأنا أتابع آخر المشاهد البصرية الخارجة من تضاعيف العطاء الفني الراسخ لبعض الحروفيين العرب، وهي استدعاءات تُومئ ولا تقول، تُشير ولا تُفصّل. على المستوى اليمني أُشير بالبنان لتجربة الفنان الباحث المجتهد طلال النجار الذي قدم مصفوفة راسخة من القيم البصرية الحروفية السابحة في فضاء التجريد المموسق بالبهاء المُتروحن. [email protected]